للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال الذهبى: فهذه زلة عالم، فما لوكيع ولرواية هذا الخبر المنكر المنقطع الإسناد! كادت نفسه أن تذهب غلطًا والقائمون عليه معذورون، بل مأجورون، فإنهم تخيلوا من إشاعة هذا الخبر المردود، غصنًا ما لمنصب النبوة، وهو فى بادئ الرأى يوهم ذلك، ولكن إذا تأملته فلا بأس إن شاء الله بذلك، فإن الحى قد يربو جوفه وتسترخى مفاصله، وذلك تفرع من الأمراض، " وأشد الناس بلاء الأنبياء"، وإنما المحذور أن تجوز عليه تغير سائر موتى الآدميين ورائحتهم وأكل الأرض لأجسادهم، والنبى - صلى الله عليه وسلم - فمفارق لسائر أمته فى ذلك، فلا يبلى ولا تأكل الأرض جسده، ولا يتغير ريحه، بل هو الآن وما زال أطيب ريحًا من المسك، وهو حى فى لحده حياة مثله شى البرزخ التى هى أكمل من حياة سائر النبيين وحياتهم بلا ريب أتم وأشرف من حياة الشهداء الذين هم بنص الكتاب: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩].
وهؤلاء حياتهم الآن التى فى عالم البرزخ حق، ولكن ليست هى حياة الدنيا من كل وجه، ولا حياة أهل الجنة من كل وجه، ولهم شبه بحياة أهل الكهف ومن ذلك: اجتماع آدم وموسى، لما احتج عليه موسى، وحجة آدم بالعلم السابق كان اجتماعهما حق، وهما فى عالم البرزخ وكذلك نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه رأى فى السماوات آدم وموسى وإبراهيم وإدريس وعيسى صلى الله وسلم عليهم، وطالت محاورته مع موسى هذا كله حق.
والذى منهم لم يذق الموت بعد هو عيسى عليه السلام، فقد تبرهن لك أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ما زال طيبًا مطيبًا، وأن الأرض محرم عليها أكل أجساد الأنبياء، وهذا شئ سبيله التوفيق، وما عنف النبى - صلى الله عليه وسلم - الصحابة رضى الله عنهم لما قالوا بلا علم: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ ، يعنى قد بليت، فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".
قال الذهبى: وهذا بحث معترض فى الاعتذار عن إمام من أئمة المسلمين، وقد قام فى الدفع عنه مثل إمام الحجاز سفيان بن عيينة، ولولا أن هذه الواقعة فى عدة كتب، وفى مثل "تاريخ الحافظ ابن عساكر" وفى "كامل الحافظ ابن عدى"، لأعرضت عنه جملة ففيها عبرة، حتى قال الحافظ يعقوب الفسوى فى "تاريخه": وفى هذه السنة حدث وكيع بمكة، عن ابن أبى خالد، عن البهى، فذكر الحديث، ثم قال: فرفع ذلك إلى العثمانى، فحبسه وعزم على قتله، ونصبت خشبة خارج الحرم، وبلغ وكيعًا وهو محبوس.
قال الحارث بن صديق: فدخلت عليه لما بلغنى، وقد سبق إليه الخبر، قال: وكان بينه وبين ابن عيينة يومئذٍ متباعد، فقال لى: ما أرانا إلا قد اضطررنا إلى هذا الرجل، واحتجنا إليه. فقلت: دع هذا عنك، فإن لم يدركك قتلت، فأرسل إلى سفيان، وفزع إليه، فدخل سفيان على العثمانى، يعنى متولى مكة، فكلمه فيه، والعثمانى يأبى عليه. فقال له سفيان: إنى لك ناصح.
هذا رجل من أهل العلم، وله عشيرة، ولده بباب أمير المؤمنين، فتشخص لمناظرتهم. قال: فعمل فيه كلام سفيان، فأمر بإطلاقه، فرجعت إلى وكيع، فأخبرته، فركب حمارًا، وحملنا متاعه، وسافر، فدخلت على العثمانى من الغد فقلت: الحمد لله الذى لم تبتل بهذا الرجل، وسلمك الله.=

<<  <  ج: ص:  >  >>