قال الذهبى: معاذ الله أن يكون يحيى وهؤلاء بدا منهم هذا بناء على أصل فاسد واهٍ، ولكن هذه الخرافة من صنعة سليمان وهو الشاذكونى، لا صبحه الله بخير، فإنه مع تقدمه في الحفظ متهم عندهم بالكذب، وانظر كيف قد سلسل الحكاية، ويبين لك بطلانها أن فاطمة بنت المنذر لما كانت بنت تسع سنين، لم يكن زوجها هشام خلق بعد، فهى أكبر منه بنيف عشرة سنة، وأسند منه؛ فإنها روت كما ذكرنا عن أسماء بنت أبى بكر. وصح أن ابن إسحاق سمع منها، وما عرف بذلك هشام، أفبمثل هذا القول الواهى يكذب الصادق، كلا والله نعوذ بالله من الهوى والمكابرة، ولكن صدق القاضى أبو يوسف إذ يقول: من تتبع غريب الحديث كذب، وهذا من أكبر ذنوب ابن إسحاق، فإنه يكتب عن كل أحد ولا يتورع سامحه الله. وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (٩/ ٤٥): ذكره النسائى في الطبقة الخامسة من أصحاب الزهرى، وقال ابن المدينى: ثقة لم يضعفه عندى إلا روايته عن أهل الكتاب، وكذبه سليمان التيمى ويحيى القطان، ووهيب بن خالد، فأما وهيب والقطان فقلدا فيه هشام بن عروة ومالكًا، وأما سليمان التيمى فلم يتبين لى لأى شئ تكلم فيه، والظاهر أنه لأمر غير الحديث؛ لأن سليمان التيمى ليس من أهل الجرح والتعديل. قال ابن حبان في الثقات: تكلم فيه رجلان هشام ومالك، فأما قول هشام: فليس مما يجرح به إنسان، وذلك أن التابعين سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا إليها، وكذلك ابن إسحاق كان سمع من فاطمة والستر بينهما مسبل، وأما مالك فإن ذلك كان منه مرة واحدة، ثم عادله إلى ما يحب. ولم يكن يقدح فيه من أجل الحديث، إنما كان ينكر تتبعه غزوات النبى - صلى الله عليه وسلم - من أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وغيرها، وكان ابن إسحاق يتتبع هذا منهم من غير أن يحتج بهم، وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن، ولما سئل ابن المبارك قال: إنا وجدناه صدوقاً ثلاث مرات. (١) قال ابن أبى حاتم: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا أبى، حدثني مقاتل بن محمد الرازى عن أبى داود يعنى الطيالسى، قال: حدثنا عمر بن حبيب، قال: قلت لهشام بن عروة، حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذاك كذاب. وذكر الذهبى هذا وعزاه للعقيلى: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطى، حدثنا سليمان بن داود، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا وهيب، سمعت هشام بن عروة يقول: ابن إسحاق كذاب.