للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قال: أجر خمسين منكم) قال الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام: ليس هذا على إطلاقه، بل هو مبنيّ على قاعدتين:

إحداهما (١): أنَّ الأعمال تشرف بثمراتها.

الثانية: أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوَّله وبالعكس، لقوله عليه الصلاة والسلام: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء من أمَّتي" يريد المتفرّدين عن أهل زمانهم، إذا تقرَّر ذلك فنقول:

الإنفاق في أوّل الإسلام أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام لخالد بن الوليد: "لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه" أي: مدّ الحنطة، والسبب في ذلك أنَّ تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا تثمر غيرها، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدّمين لقلَّة عدد المتقدِّمين وقلّة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل، ولأنَّ (٢) بذل النفس مع النَّصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه السَّلام: "أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر" جعله أفضل جهاد ليأسه من حياته، وأمَّا النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإنَّ ذلك شاقّ على المتأخّرين لعدم المعين وكثرة المنكر فيهم كالمنكر على السلطان الجائر، ولذلك (٣) علَّل عليه السلام بكون القابض على دينه كالقابض على الجمر، والقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقّة، فكذلك المتأخر في حفظ دينه. وأمَّا المتقدِّمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر، فعلى هذا ينزّل الحديث. انتهى.


(١) في أ: "أحدهما".
(٢) في أ: "ولا".
(٣) في أ: "وكذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>