للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس للبغل شيء من هذه الفضائل، فأحبّ - صلى الله عليه وسلم - أن ينموا عدد الخيل ويكثر نسلها لما فيها من النفع والصلاح، ويحتمل أن يكون حمل الخيل على الحمر جائز، لأنّ الكراهة في هذا الحديث إنّما جاءت في حمل الحمير على الخيل لئلّا يشغل أرحامها بنسل الحمير فيقطعها ذلك عن نسل الخيل، فإن كانت الفحولة خيلا والأمهات حمرًا فقد يحتمل أن (لا) (١) يكون داخلًا في النهي، إلَّا أن يتأوّل متأوّل أنّ المراد بالحديث صيانة الخيل عن مزاوجة الحمر وكراهة اختلاط مائها بمائها لئلّا يضيع طرقها، ولئلّا يكون منه الحيوان المركّب من نوعين مختلفين، فإنّ أكثر المركبات المتولّدة من جنسين من الحيوان أخبث طبعًا من أصولها التي تتولّد منها، وأشدّ شراسة، كالسِّمع والعسان (٢) ونحوهما، وكذلك البغل لما يعتريه من الشِّماس والحِران والعِضاض ونحوها من العيوب والآفات، ثمّ هو حيوان عقيم ليس له نسل ولا نماء ولا يذكى ولا يزكّى. ولا أرى هذا الرأي طائلًا فإنّ الله تعالى قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}، فذكر البغال وامتنّ علينا بها كامتنانه بالخيل، وأفرد ذكرها بالاسم الخاصّ الموضوع لها، ونبّه على ما فيها من الأرب والمنفعة، والمكروه من الأشياء مذموم لا يستحقّ المدح ولا يقع به الامتنان، وقد استعمل - صلى الله عليه وسلم - البغل واقتناه وركبه سفرًا وحضرًا، وكان يوم حنين على بغلته، فلو كان مكروهًا لم يقتنه ولم يستعمله. انتهى.

* * *

[باب في الوقوف على الدابّة]


(١) غير موجود في أ.
(٢) كذا في أوب، وفي ج: "العينين"، وفي معالم السنن: "العسبار".

<<  <  ج: ص:  >  >>