للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - إنّه توضأ مرّة ومرّتين وثلاثا، وذلك من قولهم لا يخلو أن يخبروا به عن الغرفات أو عن إيعاب الوضوء كلّ مرّة، ولا يجوز أن يكون إخبارًا عن إيجاب الوضوء فإنّ ذلك أمر مغيّب لا يصحّ لأحد أن يعلمه، فعاد القول إلى أعداد الغرفات. فلأجل ذلك قال ابن القاسم: لم يكن مالك يؤقّت في الوضوء مرّة ولا مرّتين ولا ثلاثا إلَّا ما أسبغ، وقد اختلفت الآثار في التوقيت إشارة إلى أن المعوّل على الإسباغ، وذلك يختلف بحسب اختلاف قدر الغرفة وحال البدن في الشّعث والسّلامة، وحال العضو في الاعتدال والاختلاف، ولذلك رُوي في حديث عبد الله بن زيد أنّه - صلى الله عليه وسلم - غسل وجهه ثلاثًا ويديه ورجليه مرّتين، لأنّ الوجه ذو غضون لا يمرّ الماء عليه مسترسلًا منسطحًا، فافتقر إلى زيادة غرفة يتحقّق الإسباغ بها، بخلاف اليد والرّجل فإنّها معتدلة منسطحة يجري الماء عليها سحًّا، فيمكن إيعابها بالقليل من الماء. قال: وإذا ثبت هذا فليس للتفريع (١) على الأعداد معنى، فإنّ المقصود الإيعاب والأعداد آلة له.

وقال القاضي عياض في الردّ عليه: الأظهر أن المراد أعداد الغسلات لا أعداد الغرفات كما ذهب إليه بعضهم، وأنّه أتى بما بعد الأولى للكمال والتمام، وهذا احتمال بعيد لقولهم غسل ولم يقولوا غرف، ولعدم الزيادة على الثلاث، ولو كان للتّمام لم يقف على حدّ. وكذا قال القرطبي في شرح مسلم، وقال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: قوله في تعذر الحمل على الغسلات إنّه أمر مغيّب لا يصحّ لأحد أن يعلمه، لم يظهر لي وجهه، فإنّ غسل الوجه أمر محسوس يدركه البصر إيعابًا وتقصيرًا، فما المانع من الإحاطة به.

***

[باب في الاستنثار]


(١) في ب: "للتنويع".

<<  <  ج: ص:  >  >>