للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الموّاق (١): إن لم يكن هذا اللّفظ شكًّا من الراوي فهو من الأوهام البيّنة التي لا خفاء بها، إذْ الوضوء مرتين مرتين ومرة مرة لا خفاء في إجزائه، والآثار بذلك صحيحة، والوهم فيه من أبي عوانة وهو وإن كان أحد الثقات فإنّ الوهم لا يسلم منه بشر إلّا من عصم. ويؤيّده رواية أحمد والنسائي وابن ماجه: "فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدّى وظلم" ولم يذكروا "أو نقص" فقوي بذلك أنّها شكّ من الرّاوي أو وهم. هذا على أن المعنى أو نقص من الثّلاث وهو الذي قال النووي في شرح المهذب أنّه الذي لم يذكروا غيره، وقال البيهقي في سننه: يحتمل أنّ المراد بالنقص نقص العضو يعني لم يستوعبه. وحمل بعضهم الحديث على الاعتقاد، أي من اعتقد سنيّة ما فوق الثلاث، أو نقص عن الثلاث، فلم يعتقد سنية بعضها، وإلى ذلك أشار صاحب الهداية من الحنفية بقوله: والوعيد لعدم رؤيته سنّة. وقال الشيخ وليّ الدّين: يحتمل أن يكون معناه نقص بعض الأعضاء فلم يغسلها بالكلية، أو زاد أعضاء أخر لم يشرع غسلها.

قلتُ: هذا عندي أرجح بدليل أنّه لم يذكر في مسح رأسه وأذنيه تثليثًا، وقال النووي في شرح المهذّب: اختلف أصحابنا في معنى أساء وظلم، فقيل أساء في النقص وظلم في الزيادة فإنّ الظلم مجاوزة الحدّ ووضع الشيء في غير محلّه، وقيل عكسه لأنّ الظلم يستعمل بمعنى النقص كقوله تعالى: {آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}، وقيل: أساء وظلم في النقص وأساء وظلم في الزيادة، واختاره ابن الصلاح لأنّه ظاهر الكلام، ويدلّ عليه رواية الأكثرين "فمن زاد فقد أساء وظلم" ولم يذكر النقص.

قال الشيخ وليّ الدّين: وهو المتعيّن. وقال المنذري في حواشيه: قيل أساء في الأدب بتركه السنَّة والتأدّب بآداب الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب. وقال الشيخ وليّ الدّين: قوله: "أو ظلم وأساء" شك من الراوي في تقديم لفظ الإساءة أو الظلم. وقد وقع في رواية النسائي الجزم بتقديم لفظ الإساءة كما تقدّم.

***


(١) توفي سنة ٦٤٢ هـ وهو صاحب كتاب "بغية النقّاد النّقلة فيما أخَلَّ به كتاب البيان وأغفله أو ألمَّ به فما تمّمه ولا كمّله". وكتاب البيان هو بيان الوهم والإيهام لابن القطان الفاسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>