للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(المتشبّع بما لم يعط) قال في النّهاية: أي: المتكثّر بأكثر ممَّا عنده يتحمَّل بذلك. (كلابس ثوبي زور) قال في النهاية: المشكل من هذا الحديث تثنية الثوب، قال الأزهري: معناه أنَّ الرجل يجعل لقميصه كمّين أحدهما فوق الآخر ليرى أن عليه قميصين وهما واحد، وهذا إنّما يكون فيه أحد الثوبين زورًا لا الثَّوبان، وقيل: معناه أنَّ العرب أكثر ما كانت تلبس عند الجِدة والقدرة إزارًا ورداءً، ولهذا حين سئل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصَّلاة في الثوب الواحد قال: "أوكلّكم يجد ثوبين؟ "، وفسَّره عمر بإزار ورداء وإزار وقميص وغير ذلك، وروي عن إسحاق بن راهويه قال: سألت أبا الغَمر الأعرابي وهو ابن ابنة ذي الرمّة عن تفسير ذلك فقال: كانت العرب إذا اجتمعوا في المحافل كانت لهم جماعة يلبس أحدهم ثوبين حسنين، فإذا احتاجوا إلى شهادة شهد لهم بزور فيمضون شهادته بثوبيه، يقولون ما أحسن هيأته، فيجيزون شهادته لذلك.

والأحسن أن يقال فيه: أنَّ المتشبّع بما لم يعط هو أن يقول أعطيت كذا الشيء لم يُعْطه، فإمَّا أنَّه يتَّصف بصفات ليست فيه ويريد أنَّ الله تعالى منحه إيَّاها، أو يريد أن بعض الناس وصله بشيء خضه به، فيكون بهذا القول قد جمع بين كذبين؟ أحدهما: اتّصافه بما ليس فيه أو أخذه ما لم يأخذه، والآخر: الكذب على المعطي وهو الله تعالى والناس، وأراد بثوبي الزور هذين الحالين اللَّذين ارتكبهما واتّصف بهما، والثوب يطلق على الصفة المحمودة، لأنَّه شبّه اثنين باثنين. انتهى.

وقال عبد الغافر الفارسي في مجمع الغرائب وابن الجوزي في غريب الحديث: في المراد به ثلاثة أقوال؟ أحدها: أن يلبس المرائي ثياب الزهاد يُري أنَّه زاهد، والثاني: أن يلبس قميصًا يصل كمّه بكفين آخرين يري أن عليه قميصين، والثالث: أنَّه إذا أراد أن يشهد لبس ثوبين للحضور عند الحاكم.

وقال الفارسي في موضع آخر: معنى الحديث المتزيّن بأكثر ممّا عنده يتكثَّر بذلك ويتزيَّن بالباطل، كالمرأة تتزيَّن وتدَّعي من الحظوة عند زوجها

<<  <  ج: ص:  >  >>