للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(من صوّر صورة عذّبه الله بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها وليس بنافخ ومن تحلّم) أي: تكلّف الحلم، أي: كذب بما لم يره في منامه.

(كلف أنّ يعقد شعيرة) زاد الإسماعيلي: "يعذّب بها وليس بفاعل"، ولأحمد: "مَن تحلّم كاذبًا دفع إليه شعيرة وعذّب حتى يعقد بين طرفيها وليس بعاقد"، وله أيضًا: "عذب حتى يعقد بين شعرتين وليس عاقدًا"، قال الخطّابي: وذلك ليطول عذابه في النَّار، لأنَّ عقد ما بين طرفي الشّعيرة غير ممكن. قال الطبري: إنّما اشتدَّ الوعيد على الكذب على المنام، مع أنّ الكذب في اليقظة قد يكون أشدّ مفسدة منه، إذ قد يكون شهادة في قتل أو حدّ أو أخذ مال، لأنّ الكذب في المنام كذب على الله أنَّه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشدّ من الكذب على المخلوقين، وإنَّما كان الكذب في المنام كذبًا على الله لحديث: "الرؤيا جزء من النُّبوَّة" وما كان من أجزاء النبوة فهو من قِبل الله.

وقال ابن أبي جمرة: مناسبة الوعيد المذكور للكاذب في منامه وللمصوّر، أنّ الرّؤيا خلق من خلق الله وهي صورة معنويّة فأدخل بكذبه صورة لم تقع، كمَّا أدخل المصور في الوجود صورة ليست بحقيقيَّة، لأنَّ الصورة الحقيقية هي التي فيها الرّوح، فكلّف صاحب الصورة اللَّطيفة أمرًا لطيفًا وهو الاتصال المعبر عنه بالعقد بين الشعيرتين، وكلَّف صاحب الصورة الكثيفة أمرًا شديدًا وهو أنّ يتمّ ما خلقه بزعمه بنفخ الروح، ووقع وعيد كلّ منهما بأنّه يعذّب حتى يفعل ما كلّف به وهو ليس بفاعل، فهو كناية عن تعذيب كلّ منهما على الدّوام، قال: فالحكمة في هذا الوعيد أنّ الأوّل: جنس على كذب النُّبوَّة، والثَّاني: نازع الخالق في قدرته.

(ومن استمع إلى حديث قوم يفرون منه صبّ في أذنيه الآنك) هذا من الجزاء من جنس العمل، والآنك بالمدّ وضمّ النون بعدها كاف، الرَّصاص المذاب، وقيل هو خالص الرّصاص، وقال الداودي هو القَصْطير (١)، وقال في النهاية: هو الرصاص الأبيض، وقيل: الأسود، وقيل


(١) كذا في النسخ الثلاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>