يحيى ليس مرفوعًا في حال حياته، إنما هو مرفوع بعد أن مات.
قوله:{وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا} أي: ذا عزة، والعزة ثلاثة أقسام - كما قال العلماء -: عزة القهر، وعزة القدر، وعزة الإمتناع:
فعزة القهر: أن الله سبحانه وتعالى غالب غير مغلوب، وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي:
أين المفر والإله الطالبُ ... والأشرم المغلوب ليس الغالبُ
ومن أمثلة ظهور الغلبة في العزة، قول الله تبارك وتعالى ردًا على قول المنافقين:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}[المنافقون: ٨] قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: ٨] فالعزة هنا أظهر معانيها الغلبة؛ لأنه في مقابلة قول هؤلاء المنافقين، وعزة الغلبة واضحة، أن يكون غالبًا لكل شيء، فهو غالب وليس بمغلوب جل وعلا.
وعزة القدر: أي أنه ذو قدر عظيم لا نظير له.
وعزة الإمتناع: أنه يمتنع عليه النقص، وأخذوا هذا من قول العرب: أرض عزاز؛ أي: صلبه قوية.
قوله:{حَكِيمًا} أي: ذا حكمة، والحكمة هي: إحكام الشيء وإتقانه، ووضعه موضعه بحيث لا يقول عاقل ليته لم يكن هنا، هذه الحكمة، وقد نتوسع في المعنى ونقول: إن الحكيم مشتقة من الحكمة والحكم، قال الله تبارك وتعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[الأنعام: ٥٧] وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى: ١٠] فهو الحكيم؛ أي: الحاكم في عباده، وبين عباده، فهو الحاكم في عباده، يشرع ما شاء فيهم بأمره ونهيه، وهو الحاكم بينهم بشرعه في الدنيا وبجزائه في