للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا نجد الإظهار في موضع الإضمار، حيث لم يقل "وأعتدنا لهم" بل قال: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وقد سبق أن للإظهار في موضع الإضمار فوائد، وهي: الإشارة إلى علة الحكم، والإشارة إلى عموم الحكم لكل من اتصف بهذا الوصف، والتسجيل عليهم بما يقتضيه هذا الوصف؛ أي: أنهم بذلك صاروا كفارًا، لكن هنا لا يستقيم هذا المعنى؛ لأنه قال: {لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ} فجعلهم قسمين: قسم كافر، وقسم غير كافر، أيضًا تنبيه للمخاطب؛ لأن الكلام إذا خرج عن الأسلوب فإنه لا بد أن ينتبه الإنسان، ومن ذلك الإلتفات من الخطاب إلى الغيبة أو العكس، فهذا يقتضي انتباه المخاطب، وهو أسلوب من أساليب العربية.

وبيَّن الله عزّ وجل أن هذا العذاب الذي أعدهُ لهم أليم؛ أي: مؤلم، وفعيل تأتي بمعنى مُفعل، ومنه قول الشاعر:

أمن ريحانة الداعي السميعُ ... يؤرقني وأصحابي هجوع

معنى السميع هنا: المسمع.

[من فوائد الآيتين الكريمتين]

١ - إثبات الأسباب، وأن الله تعالى قد يشرع الشيء لسبب، لقوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}، ومن ذلك أن الله شدد على بني إسرائيل الذين أمروا بذبح البقرة حين قال لهم نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] فلو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لأجزأهم، وحصل بذلك المقصود، لكنهم شددوا فشدد الله عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>