للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإثبات الأسباب انقسم الناس فيه إلى طرفين ووسط: منهم من أنكر الأسباب مطلقًا، وقال: إثبات الأسباب يقتضي إثبات خالق مع الله، ومنهم من أثبت الأسباب على أنها فاعلة بطبيعتها، ومنهم من أثبت الأسباب على أنها فاعلة بما أودع الله فيها من القوى الموجبة للمسببات، وهذا القول هو القول الوسط الذي دل عليه المنقول والمعقول، فأي دعوى لخالق مع الله، إذا قال: إن الله خلق هذا الشيء ليكون سببًا للشيء الفلاني؟ وأي دعوى تصح لإنكار تأثير الأسباب في مسبباتها، وكل يعرف أن الأسباب مؤثرة في مسبباتها، ولهذا هدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فأثبتوا أن الذي خلق الأسباب وأوجدها هو الله عزّ وجل.

ولذلك قد تتخلف المسببات بإذن الله، كما تخلف إحراق النار لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، مع أنها نار عظيمة محرقة، حتى قيل: إنهم لم يستطيعوا أن يقربوا منها، بل رموه إليها بالمنجنيق من بعد، ومع ذلك صارت عليه بردًا وسلامًا، وهذا يدل على أن السبب ليس يؤثر بنفسه، بل بإرادة الله عزّ وجل، وأيضًا من حكمة الله عزّ وجل أن جعل لكل شيء سببًا.

٢ - أن الظلم سبب لحرمان الخير، وهذا لقوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}، والظلم سبب لحرمان الخير الشرعي والقدري، فقد ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج ذات يوم ليخبر أصحابه بأن الليلة ليلة القدر، فتلاحى رجلان من الأنصار أو من غيرهم فرفعت (١)، ونسيها عليه


(١) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر (٤٩) عن عبادة بن الصامت.

<<  <  ج: ص:  >  >>