للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بطانًا" (١) فالطير تغدو من أوكارها خماصًا جائعة، قد مضى عليها الليل، ونفذ ما في بطونها، لكنها متوكلة على الله عزّ وجل، تعرف ربها وتعتمد عليه، ولا ترجع إلا وهي بطان ممتلئة بطونها، فلو أننا توكلنا على الله حق التوكل لكفانا، لكن ينقصنا ذلك كثيرًا، والأسباب المادية تجد أكثر الناس يعتمد عليها وينسى المسبب عزّ وجل.

* * *

* قال الله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢)} [النساء: ١٧٢].

المسيح هو ابن مريم، الذي اتخذه هؤلاء إلهًا، فبين الله أن المسيح نفسه لا يمكن أن يستنكف عن عبادة الله، بل هو عليه الصلاة والسلام يطلب الوسيلة إلى الله؛ أي: في القرب لديه قال الله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: ٥٧] يعني: يطلبون الوسيلة التي تقربهم إلى الله عزّ وجل، وأولئك يدعونهم فهم مساكين، وهنا يقول: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ}.

فقوله: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ} بمعنى يأبى أنفة وعلوًا، وقوله: {أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّه} أي: عبدًا شرعيًا؛ لأن الكوني لا أحد يستنكف عنه، حتى أفجر عباد الله لن يستنكف أن يكون عبدًا لله العبودية القدرية، كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا


(١) تقدم (١/ ٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>