للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأمل قوله: {فَلَمَّا} فإن الفاء تدل على الترتيب والتعقيب، وأنه رآه فورًا، ثم رآه {مُسْتَقِرًّا} كأن له عشرات السنين، ولهذا جاءت كلمة مستقرًا ولم يقل: فلما رآه عنده؛ لأنها تحتمل الآن وما بعده، لكن قال: {مُسْتَقِرًّا}، كأنه جاء منذ بضع سنين، {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: ٤٠]، وهذه الكلمة ينبغي أن تكون على كل لسان، فإذا أنعم الله عليك نعمة، فقل: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} لأن كثيرًا من الناس لا تحصل لهم هذه النعمة.

[من فوائد الآية الكريمة]

١ - بيان ما كان عليه اليهود من الحسد.

٢ - إنكار الحسد؛ لأن الله ساق هذه الآية للإنكار عليهم.

والحسد من كبائر الذنوب؛ لأنه يأكل الحسنات، ولا يستفيد الحاسد شيئًا، وفي الحسد مفاسد:

أولًا: أنه من كبائر الذنوب، وكبائر الذنوب لا تغفر إلا بتوبة.

ثانيًا: أنه اعتراض على قضاء الله وقدره؛ لأن كونك تكره أن يعطي الله هذا الإنسان شيئًا، هذا اعتراض على الله، ولهذا قال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.

ثالثًا: أن فيه عدوانًا على المحسود، وهذا في الغالب وليس دائمًا، فقد يقوم في قلب الإنسان حسد لكن لا يعتدي على المحسود لا بقول ولا بفعل، ولهذا جاء في الحديث: "إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ" (١)، فالحسد قد يقوم بقلب


(١) انظر: تفسير القرطبي ١٦/ ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>