قال تعالى:{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}[التوبة: ١١٨]، والتوبة التي بعد التوبة هي: قبول التوبة، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[الشورى: ٢٥]، والله سبحانه تواب بهذا المعنى وبهذا المعنى، فهو تواب؛ أي: مهيئ للتوبة لمن شاء من عباده، وتواب؛ أي: قابل للتوبة.
{رَحِيمًا} أي: ذو رحمة يوصلها إلى من شاء من عباده؛ كما قال تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١)} [العنكبوت: ٢١].
وفي هذه الآية شيء من الإشكال، وهو قوله:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، فإن المعروف أن "كان" للمضي، ويفهم منها أن هذا الوصف كان فزال، كما لو قلت: كان فلان طالب علم، المعنى: فيما مضى.
وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال: بأن "كان" قد تسلب منها الدلالة على الزمن، ويكون المراد بها تحقق الإتصاف بخبرها، وكل ما أضيف إلى الله من هذا التركيب فإن هذا هو المراد به؛ كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: ٢٤]، وقوله:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}[الأحزاب: ٢٧]، وقوله:{وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا}[النساء: ١٢٦] وما أشبه ذلك. فالمراد أنه متصف به أزلًا وأبدًا، ولكن أتت "كان" لتحقيق اتصافه بهذا الوصف.