يقول الله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} وهذه الجملة مكونة من مبتدأ وخبر، المبتدأ اسم الإشارة {تِلْكَ}، والخبر {حُدُودُ اللَّهِ}، والمشار إليه ما سبق من المواريث في الآية، ويحتمل أن يكون المشار إليه كل ما سبق من الأحكام قبل هذه الجملة، وذلك أن القرآن - وإن كانت آياته مفصلات -، لكنه في الحقيقة كلام واحد من حيث المعنى والسياق، ومعنى قولنا:"كلام واحد": أن بعضه ينبني على بعض، ولهذا اعتنى بعض المفسرين ببيان تناسب الآيات، كما اعتنى بعضهم ببيان تناسب السور، وهذا بحث جيد.
ولو قيل: إن الإشارة تعود إلى أقرب مذكور على حسب القاعدة أن الضمير يعود على أقرب مذكور، وكذلك الإشارة تعود إلى أقرب مذكور، كان المراد بالمشار إليه هنا ما ذكر في هذه الآية:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}[النساء: ١٢].
وقوله:{حُدُودُ اللَّهِ} حدود جمع حد: والحد هو الشيء الفاصل بين شيئين، ومنه حدود الأرض يفصل بعضها عن بعض.
وحدود الله عزّ وجل تنقسم إلى قسمين: حدود واجبات، وحدود محرمات، أما الحدود الواجبات فهي ما أوجبه الله على عباده بشروطها وأركانها وواجباتها، وأما حدود النواهي فهي ما حرمه الله على عباده؛ كالزنى، واللواط، وشرب الخمر، وقتل النفس، وغير هذا، قال أهل العلم: وإذا قال الله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}[البقرة: ٢٢٩] فهي من حدود الأوامر، وإذا قال: