بالمرحوم إنما هي رحمة العبد، أما رحمة الله فإنها تابعة لذاته لا نستطيع أن نكيفها.
وأما قوله: إن العقل لا يدل عليها، فنقول: إن هذا خطأ، فالعقل يدل عليها: قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: ٥٣]، فهذه النعم كلها من آثار الرحمة، ولولا رحمة الله ما أنعم على عباده بشيء، والعجيب: أنهم يستدلون على ثبوت الإرادة بأمر لا يفهمه بعض الطلبة فضلًا عن العامة، وينكرون إثبات الرحمة بالعقل مع أن العامة تفهم ذلك، ولو سألت أي عامي: المطر نزل وأروى الأرض وأنبت الأرض فعلام يدل، لقال: يدل على رحمة الله. لكنهم يقولون: إن تخصيص المخلوقات بما تختص به دليل على الإرادة. يعني: كون الإنسان إنسانًا، وكون البعير بعيرًا، والشمس شمسًا وما أشبه ذلك يدل على الإرادة، وإلا لما حصل تمييز بين الخلائق، ولولا الإرادة ما حصل تمييز بين الخلائق.
فنقول: هذه الدلالة نوافقكم عليها، لكنها دلالة خفية أخفى من دلالة النعم على الرحمة، لكن من لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.
* * *
* قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (١٣٠)} [النساء: ١٣٠].
{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ}: قوله: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} الضمير يعود على الزوجين، على الزوج الذي خاف من زوجه نشوزًا أو إعراضًا، وعلى الزوجة التي تركها زوجها كالمعلقة.