للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعناها الثبوت والإستقرار، وذلك لأن العلم علمان: علم راكد، بمعنى أنه على السطح، وأي ريح تزعزعه، وهذا ما يكون عند كثير من الطلبة، فتجد كثيرًا من الطلبة يجمع العلوم دفعه واحدة، فيكون كالطبيب العام، ليس له اختصاص في شيء، وبعض الطلبة يركز ويحرص، فهذا هو الذي يدرك العلم، ويكون عنده قدرة وملكة، حتى إن بعض العلماء زعم أن من نبغ في فن من الفنون كان مدركًا لجميع الفنون.

ولا يخفى ما ذكر عن محاجة أبي يوسف مع الكسائي، حين تناظرا عند الرشيد، وكان الكسائي يزعم أن كل من أتقن علمًا إتقانًا تامًا أمكنه أن يدرك جميع العلوم، فقال له أبو يوسف: ما تقول فيمن سها في سجود السهو؟ قال أقول: لا سجود عليه، قال: من أين أخذت هذا من علمك - والكسائي معروف بعلم النحو - قال: أخذته من علمي أن القاعدة عندي أن المصغر لا يصغر، فسجود السهو على زعمه مصغر فلا يصغر.

على كل حال هذه قصة الله أعلم هل هي مصنوعة أو حقيقة، وهي بلا شك غير صحيحة، لكن قصدي من إيرادها أن أقول: إن الرسوخ في العلم هو العلم، ومن ثم كنت أقول دائمًا لطلاب العلم احرصوا على قواعد العلم وضوابط العلم، وذلك لأن الجزئيات لا حصر لها، فكل يوم يخرج للناس معاملة جديدة، أو حدث جديد في العبادات، ولا يمكن للإنسان أن يحكم عليه الحكم الصحيح إلا إذا كان عنده قواعد وأصول يلحق بها هذه الجزئيات، أما من يأخذ العلم مسألة مسألة فهو كالذي يلقط الجراد من الصحراء؛ لأنه سيتعب دون أن يملأ الكيس،

<<  <  ج: ص:  >  >>