{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨)}، هذه الآية كالآية الأولى فيها التوكيد لهذا الحكم، لكن فيها التصريح بالظلم، فبأي شيء ظلموا؟
الجواب: ظلموا بالإستمرار على الكفر لأن الإنسان إذا استمر على الكفر فقد ظلم نفسه، كما قال الله تعالى:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}[هود: ١٠١]، والظلم في الأصل: بمعنى النقص؛ لقوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (٣٣)} [الكهف: ٣٣] أي: لم تنقص، وسمي المعتدي ظالمًا لأنه نقّص من حق المعتدَى عليه، وهنا هل ظلموا غيرهم وإلا ظلموا أنفسهم؟
الجواب: كلاهما، فحصل منهم الظلم لأنفسهم ولغيرهم؛ حيث دلوا غيرهم على طرق الكفر.
قوله:{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} اللام في قوله: {لِيَغْفِرَ} تُسمى عند علماء النحو "لام الجحود" أو "لام النفي"، وعلامتها: أن تقع بعد "ما كان" أو {لَمْ يَكُنِ}، فكلما وجدت اللام بعد {لَمْ يَكُنِ} أو "ما كان" فهي لام الجحود أو لام النفي، كقوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ}[الأنفال: ٣٣] اللام لام جحود؛ لأنها وقعت بعد ما كان، والمعنى: أنه لا يوفقهم للتوبة حتى يغفر لهم، وليس المعنى: لم يكن الله ليغفر لهم إذا تابوا؛ فإن الله سبحانه وتعالى يتوب على من تاب مهما كان عمله، لكن المراد أنه لا يوفقهم للتوبة حتى يغفر لهم، والمغفرة: ستر الذنب مع التجاوز عنه، وفسرناها بهذين المعنيين؛ لأنها مأخوذة من المغفر وهو: الذي يوضع على الرأس عند القتال وقاية للرأس من