للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بحقهم، وأما على قراءة الجر: "والأرحامِ" فهي معطوفة على الضمير في قوله: {بِهِ} أي: تساءلون به وبالأرحام، والتساؤل بالأرحام مما جرت العادة به عند العرب أن يقال: أسألك بالله وبالرحم، أو يقال: أسألك بالرحم التي بيني وبينك، فهم لعصبيتهم يقدرون الرحم تقديرًا بالغًا ويحترمونها، ويرون حمايتها؛ ولهذا ذكَّرهم الله تعالى بها فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}.

فإذا قال قائل: هل بين القراءتين منافاة؟

فالجواب: لا، والقراءتان في الحقيقة تصيِّر الكلمة كلمتين، فإما أن تكون كل قراءة تبيانًا للأخرى، وإما أن تكون القراءة الثانية جاءت بمعنى جديد، وهنا القراءتان كل واحدة جاءت بمعنى جديد، فقراءة النصب فيها الأمر باتقاء الأرحام؛ أي: اتقاء التفريط في حقهم، والقراءة الثانية فيها التذكير بأن الناس يتساءلون بالأرحام، ولم يتساءلوا بها إلا لعظم حقها بينهم.

وهنا إشكال على قراءة الجر من حيث القواعد النحوية؛ لأن النحويين يقولون: إذا عطفت على ضمير متصل فأت بالضمير المنفصل، أو أعد حرف الجر، فقل: تساءلون به وبالأرحام.

فهل نقول: إن في القرآن ما خرج عن القواعد؟

الجواب: لا، بل إن القرآن حاكم وليس محكومًا عليه، وكون النحويين يقولون: هذا شاذ، نقول: الشذوذ منكم، فليس في القرآن ما هو شاذ أبدًا، والقرآن نزل بلسان عربي مبين، وإذا كان يقل استعمال هذا عند العرب، فإنه بنزول القرآن به يكون كثيرًا، يقرؤه الناس في كل وقت وفي كل حين؛ ولهذا أنكر الرازي ومحمد رشيد رضا وغيرهم من العلماء على النحويين إنكارًا بالغًا في هذا، وقالوا: كيف يقولون: إن في القرآن ما هو

<<  <  ج: ص:  >  >>