للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأي توبة صادقة لشخص علم أنه مفارق الدنيا؟ ! وهذا نظير قوله - صلى الله عليه وسلم - من بعض الوجوه عندما سئل: أي الصدقة أفضل؟ قال: أن "تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل البقاء وتخشى الفقر"، فقوله: "تأمل البقاء"؛ أي: لصحتك، فإن الصحيح يستبعد الموت، و"تخشى الفقر"؛ لأنه شحيح، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "ولا تمهل - يعني: لا تؤخر - حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا" (١)؛ أي: للوارث، وهذا يقع كثيرًا، فإنه إذا أيس الإنسان من حياته ذهب يوصي، فيقول: أوصيت بكذا لأعمال البر، وبالصدقة على الفقراء، وطبع الكتب، وبناء المساجد، مع أنه قبل أيام لم يوص؛ لأنه الآن آيس من حياته، وعلم أنه مفارق لا محالة.

وقوله تعالى: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} الواو في قوله: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ}: حرف عطف، {وَلَا} زائدة للتوكيد، و {الَّذِينَ} معطوفة على قوله: {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ}، والمعنى: وليست التوبة أيضًا للذين يموتون وهم كفار، فإن الذين يموتون وهم كفار لا توبة لهم.

وظاهر الآية مشكل؛ لأن من مات انقطع عمله، فكيف يقول: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}؟

فنقول: المراد بذلك ندمهم يوم القيامة، حيث يندمون


(١) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب أي الصدقة أفضل وصدقة الشحيح الصحيح، حديث رقم (١٣٥٣)؛ ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، حديث رقم (١٠٣٢) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>