قوله:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} النساء أي: المتزوجات، بدليل قوله:{صَدُقَاتِهِنَّ} وصدقات: جمع صَدُقَة، وهي المهر، وسمي بهذا الإسم لأن بذله دليل على صدق الطالب للمرأة.
وقوله:{نِحْلَةً} أي: عطية طيبة بها نفوسكم، يقال: نحله؛ أي: أهداه هدية طيبة بها نفسه، وعلى هذا فقد زعم بعضهم أنها مفعول مطلق؛ لقوله:{وَآتُوا النِّسَاءَ} فهي مثل قول القائل: وقفت قيامًا، أو جلست قعودًا؛ لأن "آتى" بمعنى نحل، و"آتوا" بمعنى انحلوا، والنحلة: هي العطية عن طيب نفس.
وقوله:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ}"إن طبن" أي: النساء، وقوله:{نَفْسًا} مصدر محول عن الفاعل، والمصدر المحول تارة يحول عن الفاعل كما في هذه الآية، وتارة يحول عن المفعول به، كما في قوله تعالى:{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا}[القمر: ١٢]؛ أي: فجرنا عيون الأرض.
و"من" في قوله: {مِنْهُ} قيل: إنها تبعيضية، وقيل: إنها بيانية، فعلى الأول يكون المعنى: إن طبن لكم عن بعضه، وعلى الثاني يكون المعنى: إن طبن لكم عن كله أو بعضه؛ لأن "من" بيان لمحل الحكم، بقطع النظر عن كونه كله أو بعضه.
وقوله:{فَكُلُوهُ} عبر هنا بالأكل؛ لأنه أخص وجوه الإنتفاع؛ إذ أن الأكل يغذي البدن، وينمو به البدن، بخلاف اللباس، والمساكن، والمراكب، فإن منفعتها خارجية، فاللباس كسوة خارجية، ولكن الأكل منفعة وكسوة داخلية، ولذلك يقول تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: ١١٨ - ١١٩] والتناسب بين الظمأ والضحى