للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: لأن الله كامل العدل، ومن كان كامل العدل فإنه لا يظلم فتيلًا.

قال أهل العلم: ولا يمكن أن يكون في صفات الله نفي محض لا يتضمن مدحًا، وعللوا ذلك فقالوا: النفي إن لم يتضمن كمالًا فقد يكون نقصًا، وقد يكون لا نقصًا ولا كمالًا، فالأقسام ثلاثة: نقص، وكمال، ولا هذا ولا هذا، فالنقص وكونه لا هذا ولا هذا ممتنع عن الله، لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: ٦٠].

فإذا قلت مثلًا: إن الجدار لا يظلم، والخشبة لا تظلم، والسيارة لا تظلم، فهذا لا يتضمن كمالًا ولا نقصًا؛ لأنه غير قابل لأن يوصف بالظلم أو عدمه، إذ إن الجدار ليس له إرادة حتى يظلم أو لا يظلم.

ومثال ما يكون فيه نفي الظلم نقصًا قول الشاعر:

قبيّلة لا يغدرون بذمة ... ولا يظلمون الناس حبة خردل

فقوله: "لا يغدرون بذمة" لا يعني أن عندهم وفاء، قوله: "ولا يظلمون الناس حبة خردل" لا يعني أن عندهم عدلًا، فإن الشاعر لم يقصد ذلك، وإنما قصد بيان ضعفهم وعجزهم، بدليل أنه قال: "قبيَّلة" بالتصغير.

وكذلك قول الحماسي:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا

أي: إذا ظلمهم أحد صبروا وغفروا، وإذا أساء إليهم إنسان أحسنوا إليه، فإذا أخر عليهم المزرعة أرسلوا له أكياسًا من البر، فهم يجزون من سوء أهل السوء إحسانًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>