للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مما يقتضيه السياق، فهنا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ} هذا نزول.

وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: ٧] هذا علو، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦)} [البينة: ٦]، هذا نزول، فجمعت الآيتان بين العلو والنزول.

قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} قال: يعلم، ولم يقل: علم؛ لأن علم الله مستمر سابق وحاضر ولاحق؛ ولهذا أتى بالفعل المضارع الدال على الإستمرار.

وقوله: {مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: ما تضمره من النفاق والكفر، يعني: وأما أنتم فلا تعلمون ما في قلوبهم؛ لأنه ليس لنا إلا الظاهر، لكننا نعلمهم بالقرائن، قال الله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: ٣٠]؛ أي: إشارة ومفهومًا، وهذا يكون لأهل الفراسة، وكلما كان الإنسان أقوى إيمانًا بالله كان أشد فراسة، حتى إن بعض الناس ليقرأ ما في قلب الإنسان من على صفحات وجهه.

لذلك نقول: المنافقون لا يعلمهم إلا الله، وهذا الأصل، ولكن ربما نعرفهم في لحن القول، أو بفراسة يعطيها الله تعالى من شاء من عباده.

قوله: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} يعني: لا تتعب نفسك معهم، ولا تعاملهم معاملة الكافرين فتقاتلهم؛ لأنهم لم يعلنوا بالعداوة، ولهذا لما استؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتل من استؤذن بقتله منهم، قال: "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (١)، وهذا هو عين


(١) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب سورة المنافقون، حديث رقم =

<<  <  ج: ص:  >  >>