قوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} قال: يعلم، ولم يقل: علم؛ لأن علم الله مستمر سابق وحاضر ولاحق؛ ولهذا أتى بالفعل المضارع الدال على الإستمرار.
وقوله:{مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: ما تضمره من النفاق والكفر، يعني: وأما أنتم فلا تعلمون ما في قلوبهم؛ لأنه ليس لنا إلا الظاهر، لكننا نعلمهم بالقرائن، قال الله تعالى:{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}[محمد: ٣٠]؛ أي: إشارة ومفهومًا، وهذا يكون لأهل الفراسة، وكلما كان الإنسان أقوى إيمانًا بالله كان أشد فراسة، حتى إن بعض الناس ليقرأ ما في قلب الإنسان من على صفحات وجهه.
لذلك نقول: المنافقون لا يعلمهم إلا الله، وهذا الأصل، ولكن ربما نعرفهم في لحن القول، أو بفراسة يعطيها الله تعالى من شاء من عباده.
قوله:{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} يعني: لا تتعب نفسك معهم، ولا تعاملهم معاملة الكافرين فتقاتلهم؛ لأنهم لم يعلنوا بالعداوة، ولهذا لما استؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتل من استؤذن بقتله منهم، قال:"لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"(١)، وهذا هو عين
(١) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب سورة المنافقون، حديث رقم =