١٤ - وجوب الإعراض حيث لا ينفع الكلام، لقوله:{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية منسوخة بآيات الجهاد وليس كذلك، فآيات الجهاد في شيء، وهذه في شيء آخر، فهذه في مجادلة المنافقين، والمنافقون لا يمكن أن يجاهدوا بالسلاح؛ لأنهم يظهرون أنهم مسلمون، ولا يمكن أن يجاهدوا إلا بالعلم والبيان، فإذا بينا لهم ولكن استمروا في الجدال فإننا نعرض عنهم.
ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله:"إذا أتاك مجادل فبين له السنة ولا تجادله" لأنك إذا بينت له السنة جعلت الحجة عليه بين يديه، فإن جادل فإنه يجادل الله لا يجادلك أنت، فبين له السنة ولا تجادل فيها؛ لأن الواجب على من تبينت له السنة أن يقبل بدون جدال.
١٥ - أنه إذا أعرض الإنسان عن هؤلاء المنافقين وأمثالهم فإنه لا يتركهم بدون موعظة، بل يعظهم لعلهم ينتفعون، لقوله:{وَعِظْهُمْ} وقد سبق لنا معنى الموعظة وأنها: التذكير مقرونًا بالترغيب والترهيب.
١٦ - أنه ينبغي للإنسان إذا تكلم أن يتكلم بكلام بليغ يصل إلى النفس، لقوله:{وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}.
١٧ - أن من آداب المتكلم أن يتجه إلى المخاطب، لقوله:{وَقُلْ لَهُمْ}؛ لأن كلمة {لَهُمْ} تعني: أن يتوجه الإنسان القائل إلى مخاطبه، فلا يتكلم وهو معرض، أو يتكلم وتلقاء وجهه إلى محل آخر، بل إذا أراد أن يتكلم مع شخص في موعظة فليكن اتجاه وجهه إلى هذا الرجل، لقوله:{وَقُلْ لَهُمْ}.