للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦)} [النساء: ٦٥، ٦٦].

قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ} وذلك لأنهم يكرهون ما يؤلمهم ويؤذيهم في الدنيا، ولا يهمهم إذ كفوا هذا الأمر أن يكونوا طائعين أو عاصين.

وقوله: {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} لا يراد به أن يقتل الإنسان نفسه، بل يراد به أن يقتل أخاه؛ لأن أخا الإنسان بمنزلة نفسه، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: ١١]، ومعلوم أن الإنسان لا يلمز نفسه وإنما يلمز أخاه.

وقوله: {أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} هذه أيضًا من الأمور المكروهة للنفوس، أن يخرج الإنسان من بلده، ، يدع وطنه الذي عاش فيه، ويدع أملاكه، ويدع الأرض التي كان يعرفها، فإن ذلك من أكره ما يكون على النفوس، وهو شاق عليها، فلو فرضنا عليهم ذلك ما انقادوا إلا قليل منهم، كما قال: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} وذلك لإثارتهم الدنيا على الآخرة.

وقوله: {إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} هذا استثناء، والقليل ما دون النصف، والكثير: النصف فما فوق، لكن يقال لما فوق النصف: إنه أكثر، ويقال لما دونه: إنه الأقل.

وقوله: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} فيها قراءتان: "قليلًا" و"قليل"، والإستثناء هنا تام منفي يجوز فيه الوجهان: النصب على الإستثناء، أو الإتباع على ما قبله.

قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ} يعني: لو أن هؤلاء الذين تحاكموا إلى غير الرسول عليه الصلاة والسلام، وأمروا أن يتحاكموا إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>