فيشهدون بالحق الذي جاءت به الرسل ويشهدون على الخلق أن الرسل بلغوهم.
ثم نقول أيضًا: هذه الأمة شهداء على الناس عمومًا، لقول الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة: ١٤٣] ووجه ذلك: أن هذه الأمة تشهد على أن الرسل جاءوا أقوامهم بالبينات، وأن من هؤلاء الأقوام من كفر ومنهم من آمن؛ لأنه ليس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسول، فالرسل كلهم قد سبقوا، وقد قص الله علينا من أنبائهم.
وقوله:{وَالصَّالِحِينَ} هؤلاء أدنى مرتبة ممن قبلهم، لكن من كان قبلهم فهو من الصالحين ولا شك، فهو من باب عطف العام على الخاص، فليس كل صالح يكون صديقًا، وليس كل صالح يكون شهيدًا، وليس كل صالح يكون نبيًا أو رسولًا، لكن كل نبي وكل صديق وكل شهيد فهو صالح، قال الله تعالى عن إبراهيم: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢)} [النحل: ١٢٢].
إذًا: الصلاح وصف عام، فيكون عطفه على ما سبق من باب عطف العام على الخاص، والصالح: ضد الفاسد، وهو المطيع لله؛ لأن الفاسد هو: العاصي لله كما قال الله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}[الأعراف: ٥٦] قال العلماء: أي: لا تفسدوا فيها بالمعاصي، فإن المعاصي سبب للفساد في الأرض، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)} [الأعراف: ٩٦] وقال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي}[الروم: ٤١].