للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا: القتال في سبيل الله هو القتال لتكون كلمة الله هي العليا.

وليس القتل هو لأجل أن يؤمن الناس، وإنما لتكون كلمة الله هي العليا إما بإيمان المقاتَلين، وإما بذُلِّهِم وبذْلِهم الجزية، لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)} [التوبة: ٢٩].

٣ - بيان علو همة هؤلاء المقاتلين، وهو أنهم يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة، وهذا من قوة إيمانهم، وصدق عزائمهم، وعلو همتهم؛ لأنهم يؤمنون بأن هناك آخرة، وعندهم عزيمة قوية يغلبون بها أهوائهم، وإلا فكم من إنسان يُغلِّب جانب الحياة الدنيا، ويقول: درهم منقود خير من ألف درهم موعود، ولا شك أن هذا يدل على عدم إيمانهم، وإلا لو أنه مؤمن لكان هذا الموعود الذي وعد به - وهو خير مما نقد له - لكان يعمل له، ويعلم أنه ليس بينه وبين هذا الموعود إلا القليل من الزمن، وأن ما يحصل له من المنقود لا يساوي شيئًا بالنسبة إلى الموعود، حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها" (١)، والسوط ليس بالطويل، وهو خير من الدنيا كلها وما فيها، وليس دنياك أنت، أو الدنيا التي أنت في عهدها، بل الدنيا من أولها، من قبل آدم أيضًا، من أولها إلى آخرها موضوع سوط أحدنا في


(١) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل الله، حديث رقم (٢٧٣٥) عن سهل بن سعد الساعدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>