للأعيان والأوصاف، ألا ترى إلى قوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء: ٣] حيث قال: {مَا} ومعلوم أن النساء من ذوي العقول، لكن لما كانت المنكوحة لا تنكح لعينها، إنما تنكح لما قام بها من أوصاف، والأوصاف معانٍ وليست عقلًا، قال {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وهذا قول أرجح من القول الأول: أن {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} إنما أتت بـ {مَا} دون "من" ليعم الأشخاص والأوصاف.
وقوله:{مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}، وفي بعض الآيات يقول الله:{مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} والظاهر والله أعلم أن هذا من باب تنوع السياق والأساليب؛ لأن المعنى لا يختلف، إذ أن المعطوف له حكم المعطوف عليه، فإذا قال:{مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فهو كما لو قال: "ما في السماوات وما في الأرض"، والتنوع في السياق جاء في القرآن كثيرًا، كما يظهر للإنسان عندما يتلو القصص التي وردت في القرآن لعدد من الرسل، يجد اختلاف التعبير كثيرًا.
قوله:{وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا}"كان" هنا منزوعة الدلالة على الزمان؛ لأنها لو بقيت دالة على الزمان لكانت إحاطة الله تعالى بكل شيء إحاطة سابقة ماضية، مع أنه لم يزل ولا يزال محيطًا بكل شيء، ولكنها تأتي هنا في مثل هذا السياق لبيان ثبوت الحكم، فيكون هذا كقوله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء: ٩٦] وليس المعنى أن الله تجدد له المغفرة والرحمة، {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء: ١٧] وليس المعنى أن العلم والحكمة يتجددان له، بل هذا لتوكيد اتصافه بهذا الوصف.