للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحكام مقرونة بالترغيب، فهذا دليل على أنها مأمور بها، وإذا جاء الترهيب علمنا أنها منهي عنها.

ويذكر أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} والله غفور رحيم، فقال الأعرابي: ما هكذا الآية، اقرأ، فردها، وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّه} والله غفور رحيم، فقال: ما هكذا الآية، فقرأها الثالثة أو الرابعة: وقال {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)} [المائدة: ٣٨] قال: الآن أصبت؛ لأنه عزّ وجل عز وحكم فقطع، لعزته وقهره وغلبته وسلطانه عز، ولحكمته قطع، ولو غفر ورحم لما قطع، وهذا القول صحيح، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: لو تاب قاطع الطريق الذي أخذ أموال الناس وقتلهم قبل القدرة عليه سقط عنه الحد، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)} [المائدة: ٣٤]، ولم يقل: فارفعوا عنهم العقوبة، لكن كونه يأمرنا أن نعلم بأن الله غفور رحيم يعني: أنه غفر لهؤلاء ورحمهم، فتسقط عنهم العقوبة، لكن هذا فيما يتعلق بحق الله، أما العقوبة الخاصة بحق الآدمي كالقصاص، ورد المال الذي أخذه فهذه باقية؛ لأنها حق آدمي.

أما قول الله تعالى عن عيسى أنه قال له: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)} [المائدة: ١١٨]، ولم يقل: فإنك أنت الغفور الرحيم؛ لأن ما في الآية في الحقيقة ليس مغفرة محضة، فهما أمران: تعذيب ومغفرة، وكلاهما إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>