للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينشرح صدره بقضائه وقدره وشرعه وحكمه، ولا يبقى عنده أي تردد، ولهذا انظر إلى الصحابة رضي الله عنهم كيف كان قبولهم للشرع.

فحينما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء: "يا معشر النساء! تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار" (١)، بدأت الواحدة تأخذ خرصها أو خاتمها أو سوارها وتقول: يا بلال! أعطنا ثوبك، فجعلن يلقين ذلك في ثوب بلال، حليها الذي تتجمل به لزوجها تخلعه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهن أن يتصدقن، وهذا امتثال غريب! !

والرجل الذي نزع النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتمه من إصبعه - والذهب حرام على الرجال - وطرحه ورمى به، فقيل للرجل: خذه، فقال: لا آخذ خاتمًا طرحه النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢) .. إنه امتثال عجيب!

ولما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة بعد رجوعهم من الأحزاب: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" (٣)، فلم يتأخروا أبدًا، بل شدوا رحالهم وذهبوا، ولم يتعللوا بأي شيء، وبعضهم أخذ بظاهر اللفظ فقال: لن أصلي العصر إلا في بني قريظة ولو في نصف الليل، وساروا حتى وصلوا إلى بني قريظة وصلوا، والآخرون قالوا: إنما قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نبادر، ولم يقصد أن نؤخر الصلاة، وقالوا: عندنا نصان: أحدهما متشابه، والثاني


(١) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، حديث رقم (٢٩٨)؛ ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، حديث رقم (٨٠).
(٢) رواه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال (٢٠٩٠).
(٣) رواه البخاري في أبواب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً، حديث رقم (٩٠٤)؛ ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين، حديث رقم (١٧٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>