للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمن أراد الآخرة لم تفته الدنيا، ومن أراد الدنيا قد تفوته الدنيا والآخرة وإن أتته الدنيا فإنه لا يؤتى منها كل ما يريد، وهذا هو الحاصل في الإرادات، ومن أراد الدنيا والآخرة معًا فهل نقول: إنه بين درجتين، أو نقول: إنه ينال ثواب الدرجة الثانية وهي إرادة الآخرة؟

الجواب: نقول هنا: أيهما أغلب فيمن أراد الدنيا والآخرة، إذا كان الأغلب هو الآخرة فإنه ينال ثواب الدنيا والآخرة، وإذا كان الأغلب الدنيا فإنه ينقص من ثواب الآخرة بقدر ما نوى من الدنيا، فإذا كان نوى الآخرة كلها حصل له الثواب كله، أو بعضها يحصل له أقل.

وقد جاءت الأحاديث شاهدة بهذا، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (١)، ولهذا نجد الكفار الذين يريدون الدنيا أحيانًا يوفقون في الدنيا، ويحصل لهم مرادهم أو بعضه، وأحيانًا لا يحصل لهم مرادهم، ويكونون أشد فقرًا من المسلمين.

وقوله عزّ وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}. يعني: وقد فاته ما يريد؛ لأنه في الواقع قد يؤتى ما يريد أو بعضه، ثم لو أتي فإنه لن يدوم، بل سيموت أو يفقد ما أوتي.


(١) تقدم (١/ ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>