للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيره، والبشارة في الأصل هي الإخبار بما يسر، قال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: ٤٥]، فالتبشير: الإخبار بما يسر، فكيف قال: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨)} وهل العذاب الأليم يسر؟ أجاب بعض العلماء بأن هذا من باب التهكم بهم، وهذا يقع كثيرًا في كلام الناس، إذا رأى إنسانًا متمردًا قال: أبشر بالخيبة، أبشر بالعقوبة وما أشبه ذلك، ومنه: قوله تعالى: {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)} [الدخان: ٤٨ - ٤٩] فإن بعض العلماء قال: المراد بقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} التهكم، وبعضهم قال: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} في الدنيا، وهذا جزاؤك في الآخرة.

أما الجواب الثاني: فقالوا: إن البشارة هي الإخبار بما يتغير به الوجه من خير أو شر، وسميت بذلك؛ لأن البشرة تتغير، لكن إذا أخبر الإنسان بما يسره استنار وجهه، وإذا أخبر بما يسوؤه أظلم وجهه واكفهر، وعلى هذا فلا يكون في الآية إشكال، هل قيل هذا على سبيل التهكم أو على سبيل الحقيقة، بل يكون قيل على سبيل الحقيقة.

وقوله: {الْمُنَافِقِينَ} يعني: الذين نافقوا، بإظهار الإِسلام وإبطان الكفر، وهو مأخوذ من "نافقاء اليربوع"؛ أي: جحره؛ لأن اليربوع له جحر له باب مفتوح، يحفر في الأرض خندقًا، ثم يجعل في آخر الجحر قشرة رقيقة، حتى إذا أتي من باب الجحر سهل عليه أن يرفع هذه القشرة الرقيقة برأسه ويخرج، فهذا أصل النفاق من "نافقاء اليربوع".

<<  <  ج: ص:  >  >>