الواجب وإبراء الذمة، وإن لم يكن واجبًا حصلت على خير وثواب، فلم تندم، لكن الندم أن تتردد فتقول: هل هو واجب أو لا؟ !
ولا أعلم من الصحابة رضي الله عنهم أنهم سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام حين يأمرهم: أواجب ذلك أم سنة، إلا في قضية واحدة، في قصة بريرة - رضي الله عنه -، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أمرها أن تبقى مع زوجها مغيث، قالت: إن كنت تأمرني فسمعًا وطاعة، وإن كنت تشير علي فلا حاجة لي به، وكانت بريرة أعتقت، وإذا أعتقت الزوجة تخير بين البقاء مع زوجها وبين فسخ النكاح، فلما عتقت خيرها الرسول عليه الصلاة والسلام قال:"إن شئتِ بقيت مع زوجك، وإن شئتِ افسخي النكاح"(١)، فاختارت الفسخ، وإنما خيرها الشارع لأنها الآن ملكت نفسها ملكًا تامًا، وكانت حين العقد مملوكة لا تصرف لها في نفسها، أما الآن فقد تحررت، ولهذا جعل لها الخيار، فاختارت الفسخ، واختارت نفسها، فكان زوجها يلاحقها في أسواق المدينة وهو يبكي، يريد أن ترجع، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجب ويقول: ألا تعجبون من حب مغيث لبريرة وبغض بريرة لمغيث؟ ! وهذا حق أن نعجب؛ لأن العادة أن القلوب شواهد كما يقولون، تتبادل البغضاء والمحبة، لكن هذه - سبحان الله - أبت!
وكامرأة ثابت بن قيس - رضي الله عنه - المشهود له بالجنة، جاءت للرسول عليه الصلاة والسلام تطلب المخالعة، وقالت: إني لا أعيب عليه في خلق ولا دين، لكني أكره الكفر في
(١) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوج بريرة (٥٢٨٣) عن ابن عباس.