للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اعلم أنه لن يكون الإضلال إلا لسبب من العبد؛ لقوله الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥]، وكما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: ١١٠] فلو أنهم آمنوا أول مرة واستقاموا على الطريق لم يضلهم الله أبدًا.

وبهذا نعرف أن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" (١) أنه ليس المراد أنه لا يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع بحسب عمله، ولكن: المراد لا يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع بحسب أجله؛ لأنه لو كان عمله أوصله حتى لا يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع ما خذله الله أبدًا، لكنه في قلبه حسكة، كما جاء في الحديث الآخر: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار" (٢) وهذا التأويل متعين أن نقول: حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع باعتبار الأجل، يعني: حتى إذا قارب أجله وقارب الموت أظهر وأعلن أنه من أهل النار والعياذ بالله!

٥ - الإشارة إلى اللجوء إلى الله عزّ وجل في طلب الهداية؛ لقوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}، وعليه: فإذا دعونا أحدًا إلى الحق فأبى وتردد فإننا نلجأ إلى الله أن يهديه؛ لأن الله على كل شيء قدير، وكم من أناس كانوا أشقى القوم فصاروا أسعدهم، وكانوا أفسد القوم فصاروا أصلحهم، وما أمر عمر بن


(١) تقدم ص ١١٣.
(٢) تقدم ص ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>