للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦]، ولقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤٢)} [الشورى: ٤١ - ٤٢]، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما، ما لم يعتد المظلوم" (١).

فكل هذه النصوص تدل على أنه يجوز الجهر بالقول ممن كان مظلومًا، ومن ذلك ما يفضيه الإنسان إلى صديقه ورفيقه في شكاية الحال، كما لو أن إنسانًا ظلمه شخص وجاء إلى صديقه يتحدث، ويقول: فلان فعل بي كذا .. وفعل بي كذا .. وفعل بي كذا .. ومن ذلك أيضًا: الزوجة تشكو ما يحصل من زوجها إلى أخواتها أو إلى أمها، وما أشبه ذلك؛ لأن كل هؤلاء مظلومون، وقد استثنى الله تعالى من ظلموا.

ومن ذلك إذا قال: لعنك الله، فقل: لعنك الله أنت؛ لأن هذا اعتداء بمثل ما اعتدى عليك، وعلى هذا نقول: إن {الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} إذا كان من مظلوم فإن محبة الله لا تنتفي عنه، وهذا من نعمة الله عزّ وجل أن رفع الحرج عنها؛ لأن الله إذا كان لا يحب {الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} حتى من المظلوم صار في هذا حرج؛ لأن المظلوم يكاد يتشقق صدره حتى يتحدث عما في صدره من الظلامة، فيخف عليه الأمر.

قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} {سَمِيعًا} لأقوالكم، {عَلِيمًا}


(١) رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن السباب، حديث رقم (٢٥٨٧) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>