للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهوال الآخرة وأحوالها]

تعالوا نستعرض أهوال الآخرة وأحوالها، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:١ - ٢].

الناس يترنحون من أهوال الآخرة كأنهم سكارى، وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.

وقال عز وجل: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:١٣ - ٣٢].

ثم يذكر الله عز وجل حيثيات وسبب هذا الحكم، فقال عز وجل: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:٣٣ - ٣٧].

ويقول عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:٤٢ - ٤٣]، فالله عز وجل يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فالله عز وجل يمهل ولا يهمل، قال عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم:٤٢] أي: تتشتت فيه الأبصار، {مُهْطِعِينَ} [إبراهيم:٤٣] أي: مسرعين، {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} [إبراهيم:٤٣] قال الحسن: وجوه الناس يومئذ إلى السماء؛ من شدة ما نزل بهم، ومن عظم هذا اليوم لا تتحرك رءوسهم، فقد تسمرت في اتجاه السماء، {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} [إبراهيم:٤٣] لا تطرف أعينهم؛ لأنهم منتظرون في كل لحظة مصيبة، وفي كل دقيقة داهية، {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:٤٣]، قال قتادة: خرجت قلوبهم من أجوافهم فتعلقت في حناجرهم؛ كما قال عز وجل: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر:١٨].

((وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) أي: لا شيء فيها.

وقال سعيد بن جبير: أرواحهم تمور وتتردد في أجوافهم ليس لها مكان تستقر فيه.

وقال عز وجل: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر:١٨]، قال عكرمة: إن الرجل ليتعلق بولده يوم القيامة، فيقول: أي والد كنت لك؟ فيثني خيراً.

فيقول: إني قد احتجت إلى حسنة واحدة من حسناتك؛ لعلي أنجو بها مما ترى، فيقول: يا أبت! ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل ما تتخوف، ثم يتعلق بزوجته يقول: أي فلانة! أي زوج كنت لك؟ فتثني خيراً، فيقول: إني قد احتجت إلى حسنة واحدة من حسناتك؛ لعلي أنجو بها مما ترين، فتقول: ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل ما تتخوف.

فهذا الرجل احتاج إلى حسنة واحدة؛ حتى يثقل ميزان الحسنات على ميزان السيئات، وحتى يدخل جنة الله عز وجل وينجو من الن