[قصة ابني آدم هابيل وقابيل]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمر محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزون.
قال عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ * مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة:٢٧ - ٣٢].
هذه الآيات الكريمة في سورة المائدة تحكي لنا كيف بدأت الجريمة على الأرض، وكيف حدثت أول جريمة قتل على الأرض.
ومناسبة هذه الآيات الكريمات لما قبلها من نفس السورة: أن اليهود حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النبوة والرسالة، فكأن الله عز وجل يقول له: فقل لهم: {إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧].
ومناسبة هذه الآيات لما بعدها: أن الله عز وجل قبل أن يشرع لنا القصاص وأن يبين لنا أحكام القصاص بين لنا كيف بدأت الجريمة، وكيف كانت أول جريمة قتل على الأرض.
كذلك في هذه الآيات الكريمات يظهر فيها كيف يدعو الحسد أهله، وكيف أن أحد ابني آدم حسد أخاه؛ لأنه تقبل منه قربانه ولم يتقبل منه، فقتله من أجل ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، ألا إنها هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين).
والحسد هو الذي دعا إبليس ألا يسجد لآدم، وقال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢]، وأبى أن يسجد لآدم تنفيذاً لأمر الله عز وجل له بالسجود.
وفي هذه الآيات الكريمات كذلك يظهر فيها نوعان من البشر: النوع الأول: النوع الخير الذي لا يستطيع أن يعمل إلا الخير، الذي يتقي الله عز وجل ويتقبل الله عز وجل منه، والذي يخاف الله عز وجل في كل قول وعمل، والذي لا تطاوعه نفسه على الشر، وعلى الإقدام على كبائر الذنوب.
والنوع الثاني: هو الذي لا يرزق التقوى، ولا يخاف الله عز وجل، والذي يتجرأ على معصية الله عز وجل وعلى الكبائر وعلى الإفساد في الأرض دون وازع ودون رادع.
كذلك في القصة نجد كيف يسول الشيطان للعبد بالمعصية؟ وكيف يخفي عنه عواقب المعصية؟ وكيف يزين له الشهوات ويدعوه إلى الإعراض عن طاعة رب الأرض والسماوات؟ حتى إذا وقع في معصية الله عز وجل يكون الخسران ويكون الندم ويكون الصغار، وتكون الذلة، ويكون العذاب في الدنيا والآخرة.
يقول عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَ