[مدار وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس]
فهذا مدار الوصية: أن تعلم أن الله عز وجل هو رب الناس، وهو المتصرف في شئون الناس كيف يشاء، وأنه مالك الملك عز وجل، وأن مقادير الخلائق بيد الله عز وجل، قال سبحانه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:١٠٧].
لو اجتمع الخلق كلهم على أن يجلبوا لك نفعاً لم يقدره الله عز وجل لك لا يقدرون على ذلك، وإن اجتمع الخلق كلهم على أن يمنعوا عنك نفعاً أراده الله عز وجل بك لا يقدرون على ذلك.
قال عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:١٠٧] فالأمر كله بيد الله عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي: أن نفساً لن تموت حتى تستوفي أجلها ورزقها).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير) أي: إذا كان لك مصلحة عند أحد من الخلق فاطلب ذلك بعزة النفس، لأن الأمر ليس بيد هذا المخلوق، بل الأمر بيد خالق الملك ومالك الملك عز وجل.
قال صلى الله عليه وسلم: (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير) فإذا وثق العبد بذلك كان أعز الناس، وكان أغنى الناس بالله عز وجل، وكان أقوى الناس بالله عز وجل، ومع ذلك يحافظ على حدود الله عز وجل وحقوقه وأوامره ونواهيه، من كان كذلك أتاه النفع من حيث يخاف أن يحصل للعبد الضر، كما روي أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسرت به مركب فوقع في جزيرة ولم يعرف الطريق، فرأى أسداً فقال: يا أبا الحارث! أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، دلني على الطريق.
قالوا: فأخذ الأسد يهمهم ويشير أمامه حتى دله على الطريق، ثم همهم له وانصرف كأنه يودعه.
فآتاه النفع والخير ممن يخاف منه الضر.
كذلك من ضيع تقوى الله عز وجل فإنه يأتيه الضر ويأتيه المشقة والعنت ممن يرجو منه النفع، كما قال بعضهم: إني لأعصي الله فأجد ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
أي: أن الدابة التي تحمله، والزوجة التي تخدمه وتقضي له شئونه يأتيه النكد وتأتيه المشقة ممن يرجو منه النفع وممن يرجو منه أن يخدمه ويسهل له أموره.
فمن عرف أن الأمر بيد الله انقطع عن الخلق إلى الحق وتعلق قلبه بالله عز وجل لا يرجو إلا إياه ولا يخاف إلا من الله، ويحافظ على حدود الله، ويسأل الله عز وجل، ويستعين بالله عز وجل.
قال صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) وهذه كناية من أعظم الكنايات تدل على تقدم المقادير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).
كتب الله عز وجل المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فكتب متى تولد، وكم تعيش في الدنيا، وكم ترزق في الدنيا، وعملك في الدنيا وسعيك في الدنيا، وكم توفق إلى طاعة الله، وكم تهمل فتعمل بمعصية الله عز وجل، كل ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله عز وجل السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما سيكون إلى يوم القيامة) لأن علم الله عز وجل أحاط بالماضي وأحاط بالحاضر وأحاط بالمستقبل، فعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، فالله عز وجل علم كل شيء، وقدر كل شيء، وكتب كل شيء من أزمنة متطاولة، فرفعت الأقلام أي: كتبت بها مقادير الخلائق، ومن طول المدة جفت الصحف، فكيف يرجو العبد غير الله؟ وكيف يؤمل في غير الله؟ وكيف يخاف من غير الله عز وجل؟ من علم ذلك انقطع إلى الله عز وجل وعمل بطاعة الله عز وجل وكان مع الله عز وجل.
يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.