للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفات مع غزوة الأحزاب]

إن معركة الخندق -معركة الأحزاب- لم يحصل فيها التحام بين الجيشين، فقد فوجئت الأحزاب الكافرة، وكان عددهم عشرة آلاف، ونزلوا إلى جانب جبل أحد، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف من الصحابة الكرام، ونزلوا بظهر سلع، وهو جبل قريب من المدينة أصغر من أحد، فكان سلع في ظهرهم، وكان الآخرون بجوار جبل أحد، وبينهم الخندق بين حرة الواقم وحرة الوبرة، لم يحصل التحام بين الجيشين.

وتذكر بعض الروايات أن بعض المشركين حاولوا عبور الخندق بخيولهم، وأن علياً رضي الله عنه قتل عمرو بن عبد ود فارس قريش، وأن الزبير قتل رجلاً آخر من الكفار، ولكن ذلك لم يرد بسند صحيح، أما التراشق بالنبال فقد كان يستمر أحياناً، وقد استمر مرة إلى الليل، ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يملأ الله عز وجل قبورهم ناراً؛ لأنهم شغلوه عن الصلاة الوسطى، فما صلى هو والصحابة العصر حتى غربت الشمس، ولم تكن صلاة الخوف قد شُرعت.

هذه الغزوة لم يكن فيها تلاحم بين الجيشين، ولكن الظروف التي لابستها وعدد الكفار والبرد الشديد والجوع والحصار الاقتصادي جعلتها من أشد الغزوات التي زلزلت قلوب الناس، والتي ظهر فيها النفاق، وقال المنافقون: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:١٢]، وقال الله عز وجل حكاية عن حالهم: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب:١٣] وكذّبهم الله عز وجل في ذلك، فقال: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [الأحزاب:١٣ - ١٧].

وكما ظهر النفاق ظهر صدق الصادقين، كما قال الله عز وجل: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢].

فأهل الإيمان الصادق عباد الله! لا يتزلزل إيمانهم، ولا تذهب بهم الظنون الكاذبة كل مذهب، فهم يثقون بوعد الله ويثقون بنصره، ويعتقدون بأن العاقبة للتقوى، وبأن جند الله هم الغالبون، وبأن حزب الله عز وجل هم المنتصرون، مهما تكالب عليهم الشرق والغرب الكافر، ثقتهم بالله عز وجل واعتقادهم في نصر الله عز وجل مهما قلت معهم الأسباب.