الوجه الثالث: أنه إذا أحبها صيرها غايته، فيكون سعيه كله للدنيا، وأمله كله في الدنيا، فلا يسعى للآخرة سعيها، ولا يرجوها، ولا يعمل لها العمل اللائق بها، وهذا شر منكوس وقلب معكوس من كل وجه، قال الله عز وجل:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:١٥ - ١٦].
فعمله كله في الدنيا من أجل الدنيا، حتى الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل من طلب العلم النافع، أو الصلاة أو الصدقة أو الجهاد أو غير ذلك، فإنما يتوسلون بذلك إلى الدنيا لما في قلوبهم من حبها.
وفي حديث مسلم خبر الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار: الذي قرأ القرآن من أجل أن يقال: قارئ، والذي أنفق من أجل أن يقال: متصدق، والذي جاهد وقاتل من أجل أن يقال: شجاع أو جريء، فانظروا إلى حب الدنيا عباد الله كيف حرم هؤلاء من الأجر في الآخرة، وكانوا أول الداخلين إلى النار؛ لأن الله عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك.
والذي يعبد الله عز وجل بالرياء مثله كمثل رجل دخل السوق ومعه كيس مملوء بالحصى، فكلما رآه أحد قال: ما أملأ كيسه! فإذا وقف عند البائع وأخذ ما أراد، ثم أخرج ما في كيسه ضرب به وجهه ولم ينل به شيئاً، ولم يكن له إلا قول الناس: ما أملأ كيسه! قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يطلبه إلا ليصيب به عرض الدنيا لن يجد عرف الجنة يوم القيامة) أي: لا يجد ريح الجنة يوم القيامة؛ لأنه طلب العلم للدنيا، وإنما ينشأ ذلك من حب الدنيا.