[أهمية تعرف العبد على ربه عز وجل في الشدة والرخاء]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
ثم أما بعد: قال صلى الله عليه وسلم -كما في الرواية الأخرى-: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).
فقوله صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله تجده أمامك) أي: تجده تجاهك، وتجده معك.
وقد فسر ذلك في الرواية الأخرى: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) أي: أن العبد إذا كان في وقت النعمة والرخاء يصعد منه كلم طيب وعمل صالح إلى الله عز وجل فإنه إذا وقع في الشدة دعا الله عز وجل فقبل دعوته وفرج كربته.
قال بعض السلف: تعرفوا إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفكم في الشدة، فإن يونس عليه السلام كان ذاكراً لله عز وجل عارفاً بالله عز وجل في الرخاء، فلما وقع في بطن الحوت نجاه الله، قال الله عز وجل: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:١٤٣ - ١٤٤].
ولما كان فرعون كافراً جاحداً ناسياً لذكر الله عز وجل لما وقع في البحر: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:٩٠] قال عز وجل: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:٩١ - ٩٢] فكلاهما ذكرا الله عز وجل في الشدة وأعلن إيمانه في الشدة، ولكن يونس عليه السلام كان من أنبياء الله عز وجل فكان من المدحضين، ولما وصل إلى ظلمة بطن الحوت دعا الله عز وجل: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:١٤٣ - ١٤٤] أي: لصار بطن الحوت قبراً له.
أما فرعون فكان جاحداً ناسياً ذكر الله عز وجل مستكبراً على طاعة الله عز وجل، أعلن إيمانه وهو يعاني الغرق فلم يقبل الله عز وجل منه، بل جعله الله عز وجل عبرة للمعتبرين، فقال: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:٩٢].
فينبغي على العبد أن يجتهد في طاعة الله عز وجل في الرخاء حتى إذا وقع في الشدة عرفه الله عز وجل بقبول الإجابة، كما حدث للثلاثة الذين دخلوا غاراً فوقعت صخرة عظيمة على باب الغار، فتوسلوا إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة التي عملوها في وقت الرخاء، فأما أحدهم فتوسل إلى الله عز وجل ببره بوالديه، وأما الثاني فتوسل إلى الله عز وجل بأمانته وبأنه دفع للأجير أجره بعد تثميره له مع ما ثمره له، وأما الثالث فتوسل إلى الله عز وجل بعفته عن ابنة عمه، وأنه ترك لها ما طلبته منه، فعند ذلك تحركت الصخرة وخرجوا من الغار؛ لأنهم توسلوا إلى الله عز وجل بأعمال صالحة عملوها في وقت الرخاء.
قال صلى الله عليه وسلم: (تعرف إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك).
الله عز وجل يحرس الناس بالليل والنهار، كما قال سبحانه: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:٤٢] من يحفظكم من دون الله عز وجل؟ وكل الله عز وجل الملائكة يحفظون العبد من بين يديه ومن خلفه، كما قال عز وجل: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:١١] قيل: المعقبات ملائكة تحفظ العبد، فإذا جاء القدر تخلوا عنه.
وكل أحد منا مر في عمره بأشياء كان يمكن أن يهلك فيها كحوادث السيارات وغير ذلك، والله عز وجل ينجيه، فالله عز وجل وكل ملائكة يحفظون العبد من بين يديه ومن خلفه، ويدفعون عنه الشرور والمهالك، ولكن إذا قدر الله عز وجل شيئاً فإن الملائكة الحفظة يتركون العبد من أجل أن ينفذ فيه قدر الله عز وجل وقضاؤه.
قال عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١] أي: لا يحدث شيء في الأرض إلا بإذن الله عز وجل.
وقوله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١] قال بعض السلف: هي المصيبة تصيب العبد فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.