للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام القلوب]

لما كانت القلوب توصف بالحياة وضدها قسم العلماء القلوب إلى ثلاثة أقسام بحسب الصحة والمرض، فقالوا: القلوب ثلاثة: - قلب سليم أو قلب صحيح.

- وقلب ميت.

- وقلب سقيم أو قلب مريض.

وقالوا في تعريف القلب السليم: هو القلب الذي قد صارت السلامة صفة له، فهو سلم من عبودية غير الله عز وجل، وأخلص العبودية لله عز وجل، فإذا أحب أحب في الله، وإذا كره كره في الله، وإذا أعطى أعطى في الله، وإذا منع منع في الله، ولا تتم سلامة هذا القلب حتى يعقد صاحبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم عقداً محكماً مبرماً على الائتمام به في جميع أقواله وأفعاله، فهو سلم من عبودية غير الله عز وجل، وسلم من اتباع غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فهذا هو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من جاء الله عز وجل به: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].

في مقابل هذا القلب السليم هناك القلب الميت: وهو الذي قد أخلص العبودية لهواه، فإذا أحب أحب لهواه، وإذا كره كره لهواه، وإذا أعطى أعطى لهواه، وإذا منع منع لهواه، فهواه آثر عنده من رضا مولاه، الدنيا تسخطه وترضيه، والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه، ينادى إلى الله والدار الآخرة من مكان بعيد فلا يستجيب إلى الداعي ويتبع كل شيطان مريد.

فصاحب هذا القلب واقف مع حظوظه وشهواته، لا يلتفت هل هو في رضا الله عز وجل أم في غضب الله، فهو لا يبالي إذا فاز بحظه وشهوته رضي ربه أم سخط، فهذا هو القلب الميت.

وبين القلب السليم -أو القلب الصحيح- والقلب الميت: القلب السقيم أو القلب المريض، وهذا القلب فيه من محبة الله عز وجل وإيثار الدار الآخرة ما هو مادة حياته، وفيه من إيثار الشهوات ومحبة الدنيا ما هو مادة هلاكه وعطبه، فهو ممتحن بين داعيين: داع يدعوه إلى الله عز وجل والدار الآخرة، وداع يدعوه إلى الدنيا وعاجلها، وهو إنما يجيب أقربهما منه باباً، وأدناهما إليه جواراً، فقد تدعوه إلى الله عز وجل فيستجيب لك، وقد يدعوه غيرك إلى غير الله عز وجل فيستجيب له.

فالقلب الأول حي لين مخبت واعٍ، والثاني يابس ميت، والثالث مريض، فإما إلى السلامة أدنى وإما إلى العطب أدنى.

ودرجات المريض تختلف، فهناك مريض قريب من السلامة، وهناك مريض مرض الموت المخوف.

وهناك تقسيم آخر للقلوب كما روى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج يزهر؛ فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس فذلك قلب المنافق، عرف ثم أنكر، وأبصر ثم عمي، وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق فهو للغالب عليه منهما.

فقسم حذيفة رضي الله عنه القلوب إلى أربعة أقسام، قال: قلب أجرد.

أي: متجرد مما سوى الله عز وجل، خالٍ مما سوى الله عز وجل، فيه سراج يزهر، يعني: مصباح يضيء، كما قال الله عز وجل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال:٢٩]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:٢٨].

قالوا: نور في قلب المؤمن يفرق به بين الحق والباطل، وبين البدعة والسنة، وبين الهدى والضلال، فهذا القلب الأجرد الذي فيه سراج يزهر هو فذلك قلب المؤمن.

وقلب أغلف فذلك قلب الكافر: داخل في غلافه لا يخرج منه كفر ولا يدخله إيمان، كما قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:٦]، وقال عز وجل: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [الأعراف:١٩٨]، يدخل القلب في الغلاف ويختم عليه فلا يخرج منه كفر ولا يدخل فيه إيمان، فذلك قلب الكافر.

وقلب منكوس فذلك قلب المنافق، كما قال عز وجل: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء:٨٨] أي: قلب قلوبهم.

فالمنافق يشبه قلبه بالإناء المنكوس؛ لأن الإناء المنكوس لا يستقر فيه شيء، ولا تستطيع أن تضع فيه شيئاً، والمنافق يعرف الحق بعقله وقلبه ولكنه لا ينقاد لهذا الحق ولا يرضى بهذا الحق، ولا يستقر هذا الحق في قلبه، فقلبه كأنه مقلوب يقع منه الحق ولا يستقر الحق فيه، قال عز وجل: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء:٨٨] عرف -أي: بعقله وقلبه- ثم أنكر، أنكر أن يحب الحق، وأنكر أن ينقاد للحق، وأنكر أن يتبع الحق.

وقلب منكوس: فذلك قلب المنافق عرف ثم أنكر، وأبصر ثم عمي.

وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق، وهو للغالب عليه منهما، وهذا هو القلب المريض الذي ذكرنا، ففيه ما يدعوه إلى الله عز و