للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرف أهل التقوى والإيمان]

ننتخب هؤلاء الذين حكم الله عز وجل بأنهم أتقى الناس، وأنهم أكرم الناس، فقال عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣].

(وسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أكرم الناس؟ فقال: أتقاهم لله عز وجل).

فنحن لا ننتخب الذين ينافسون على الدنيا، والذين يتنافسون على الدنيا، ولكننا ننتخب الذين يتنافسون على الآخرة، وعلى درجات الآخرة: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣].

فالتقوى هي الشرف، وهي الكرامة: ألا أنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم وليس على عبد تقي نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم وكان الإمام مالك رحمه الله له منظر وأبهة، وعز وشرف في الدنيا، كان إذا أراد أن يحدث يغتسل، ويلبس أحسن ثيابه، ويجلس على منصة، ويلبس طيلسان على رأسه، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ، وصف بعضهم الإمام مالك فقال: يدع الجواب ولا يراجع هيبة والسائلون نواكس الأذقان نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهاب وليس ذا سلطان فالتقوى هي الشرف، وهي الكرم، فانظروا إلى سلمان الفارسي لم يكن عربياً فضلاً عن أن يكون قرشياً، ومع ذلك رفعه الإيمان، ورفعته التقوى، وانظروا إلى أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عربياً قرشياً من أشرف الناس نسباً، ومع ذلك: لقد رفع الإسلام سلمان فارساً وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب وكان سلمان يقول: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم فنحن ننتخب هؤلاء الذين هم أشرف الناس وأكرم الناس، وهم أهل التقوى، وأهل الإيمان، وأهل العمل الصالح، نبأهم قريب، وخبرهم عجيب، ونحن نستغفر الله عز وجل أن نتكلم عن قوم ما شممنا رائحة زمن عاشوا فيه.

يقول ابن القيم رحمه الله: ووا حسرتاه! ووا أسفاه! كيف ينقضي الزمان، ويذهب العمر، والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، فخرج من الدنيا كما دخل إليها، خرج منها وما ذاق أطيب ما فيها، فكانت حياته هماً وغماً، وموته كدراً وحسرة، ومعاده أسفاً وندامة، فإلى الله المشتكى، وبه المستعان، وبه المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بالله عز وجل.