[ذكر ما حصل لقوم مؤمن آل ياسين من العذاب]
قوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:٢٨ - ٢٩].
فالله عز وجل الذي يرى الدنيا والآخرة ويرى الظاهر والباطن، فحكى لنا كيف انتقل مؤمن آل ياسين إلى الكرامة وعاينها، وكيف سجل لنا كلمته عندما عاين كرامة الله، وقال: ((يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ))، فسجل لنا كذلك في هذه القصة ما حدث في الدنيا لهؤلاء المكذبين الذين رجموا هذا المؤمن أو قتلوه، وكيف أن الله عز وجل أرسل عليهم صيحة أخمدتهم، فهذا في الدنيا بالإضافة إلى عذاب الآخرة.
قال الزمخشري ما ملخصه: المعنى أن الله كفى أمرهم بصيحة ملك، ولم ينزل لإهلاكهم جنداً من السماء كما فعل يوم بدر والخندق.
يعني: يقدر الله عز وجل أن يرسل جبريل فيصيح في الكفار يوم بدر ويوم أحد ويوم الخندق فيهلكهم، ولكن أراد أن يكون النصر في المعركة التي حصل فيها الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، وأن تكون الملائكة على سبيل المدد الذي يأتي الجيوش، حتى ينسب النصر إليهم والبذل لهم، ولكن هؤلاء أرسل الله عز وجل عليهم جبريل فصاح فيهم صيحة.
فهذا يدل على ضعف الباطل وهوان الباطل، والآن كثير من الناس يهولون الأمريكان والروس والشيوعيين والمنافقين واليهود والنصارى، ويقولون: كيف ينتصر عليهم المسلمون، والمسلمون في القلة والذلة والضعف؟ نقول: هذا من الجهل بالله عز وجل، فالله تعالى قادر على إهلاكهم في لحظة واحدة وبصيحة واحدة من جبريل وهو ملك من ملائكة الله عز وجل، ولكن كيف يكون البذل، وكيف تكون التضحية، وكيف يكون الجهاد، وكيف يتخذ الله عز وجل شهداء، فالله تعالى قادر على الانتصار منهم قال تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد:٤]، والله عز وجل قادر على هداية كل الناس؛ اليهود والنصارى والشيوعيين والعلمانيين؛ لأنه يملك قلوبهم كما يملك نواصيهم، كما قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:١٣]، ولكن كيف تكون الدعوة، وكيف يكون البذل، وكيف تكون الخطب والمحاضرات والدروس والأشرطة والكتب.
فالله عز وجل يريد من الدعاة أن يبذلوا، فيفتح الله عز وجل لهم القلوب، فينالون الأجر من عند الله عز وجل.
إذاً: فالله تعالى قادر على الكافرين والمكذبين، كما قال: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنَ السَّمَاءِ} [يس:٢٨]، يعني: لم يكن الأمر يستدعي أن تنزل جيوش مجيشة من السماء إلى هؤلاء الكفرة، ولكن صيحة واحدة تكفي في إخمادهم، قال تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:٢٩].
يقولون: إن مؤمن آل ياسين اسمه أنه حبيب النجار، ولكن نهجنا الذي انتهجناه في هذه القصص أننا لا نذكر أسماء أو زيادات لم ترد في الكتاب أو السنة الصحيحة، فلم يرد في القرآن ولا في السنة الصحيحة أن اسم مؤمن آل ياسين حبيب النجار، والغالب أن هذا مأخوذ من الإسرائيليات، ولو كان في ذكر اسمه فائدة لذكر الله عز وجل اسمه، ولكن هذا لا يفيدنا بشيء ولا ينتفع بمعرفة اسمه بشيء، فهو مؤمن ثبت ودعا الله عز جل ونال الشهادة بسبب هذه الدعوة، كما أن مؤمن آل فرعون كذلك قام مقاماً حسناً، ودعا إلى الله عز وجل ونصر موسى نصراً مؤزراً، ووقف في وجه فرعون، ودعا إلى الله عز وجل، ولم نعرف اسم هذا المؤمن، ويكفي أن الله عز وجل يعلمه، والله تعالى ذكر قصته ومقالته في كتابه، يكفيه ذلك شرفاً وفخراً، مع ما له في الدار الآخرة من الجزاء الحسن.
فقوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} [يس:٢٨] معناه: ما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جنداً من السماء؛ وذلك لأن الله تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض، وما ذلك إلا بناء على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت:٤٠]، يعني: الله عز وجل أهلك المكذبين بوسائل مختلفة من أنواع العذاب، منهم من أرسل عليه حاصباً من السماء، ومنهم من خسف به الأرض، ومنهم من أمر الأرض أن تبتلعه، ومنهم من أغرقه في اليم.
وإن قلت: فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق، قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:٩]، وقال: {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأ