للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة فضل العلم والعلماء من الكتاب]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد: دلت الأدلة كلها من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة على فضل العلم والعلماء، فمن ذلك قوله عز وجل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:١٨]، فدلت هذه الآية على فضل العلم والعلماء من أوجه: الوجه الأول: أن الله عز وجل استشهد العلماء دون سائر الخلق.

والوجه الثاني: أن الله عز وجل قرن شهادة العلماء بشهادته عز وجل وشهادة ملائكته.

الوجه الثالث: أن هذا تضمن تعديل العلماء كما ورد في الأثر، وروي موصولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)، فتضمن استشهاد الله عز وجل بالعلماء تعديلهم.

الوجه الرابع: أن الله عز وجل استشهدهم على أجل مشهود عليه، وأعظم مشهود عليه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله.

ومما يدل على فضل العلم كذلك: أن الله عز وجل أمر نبيه بأن يطلب مزيداً من العلم فقال عز وجل: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:١١٤].

من الأدلة كذلك: قوله عزوجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:١١]، فالله عز وجل يرفع أهل الإيمان وأهل العلم درجات، وهذه الدرجات ليست في الآخرة وحدها، بل هي درجات في الدنيا والآخرة، كما أرسل وهب إلى مكحول يقول له: أما بعد: فقد بلغت بظاهر علمك عند الناس منزلة وشرفاً فابتغ بباطن علمك عند الله منزلة وزلفاً.

أي: أن العبد بظاهر العلم من المحاضرات والدروس والخطب والكتب وغير ذلك يرتفع في قلوب الناس؛ لمحبة الناس لدين الله عز وجل، ولمحبتهم لله عز وجل، ولكن المنزلة عند الله عز وجل لا تكون إلا بالخشية والإخلاص ومحبته عز وجل.

قال سفيان الثوري: إن هذا الحديث عز، فمن أراد به الدنيا وجدها، ومن أراد به الآخرة وجدها.

فطالب علم الحديث لابد أن يرتفع، فمن أراد بذلك الدنيا وجد الرفعة في الدنيا، ومن أراد الآخرة وجد الرفعة في الدنيا والآخرة.

وقال سفيان بن عيينة: أرفع الناس منزلة من كان بين الله وبين عباده، وهم الأنبياء والعلماء.

فأشرف الناس وأرفع الناس منزلة من كان بين الله وبين عباده، الذين يعرفون الناس بربهم عز وجل وبدين الله عز وجل، ويحببون الناس في الله عز وجل وفي دين الله، فهؤلاء أرفع الناس منزلة، وهم الأنبياء والعلماء.

وقال الله عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:١٢٢]، فما كان الناس لينفروا كافة -أي: يخرج الناس كلهم للجهاد بالسيف والسنان، بل تخرج طائفة تقاتل بالسيف والسنان، وطائفة تتعلم العلم حتى تقيم الحجة بالقلم واللسان، فإذا عادت الطائفة التي نفرت للجهاد علمتها الطائفة القاعدة التي تفقهت وعلمت دين الله عز وجل.

كذلك مما يدل على فضل العلم: أن الله عز وجل أحل صيد الكلب المدرب أو المعلم، ولم يحل صيد الكلب الجاهل؛ وذلك لشرف العلم: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة:٤].

فلشرف العلم جعل الله عز وجل صيد الكلب المعلم والمدرب حلالاً؛ لأنه يمسك لصاحبه، أما الكلب الجاهل فصيده لا يجوز أكله؛ لأنه ميتة؛ ولأنه يمسك لنفسه لا لصاحبه.