[الرد من القرآن على شبه المنكرين لعذاب القبر]
والجواب المفصّل على هؤلاء: إن القرآن وردت فيه آيات كريمات تشير إلى حياة القبر وعذابه، ولكنهم من جهلهم بالقرآن وبسنة النبي عليه الصلاة والسلام يطعنون في الإسلام.
ومن هذه الآيات القرآنية التي تشير إلى حياة القبر قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] فهذا تهديد من الله عز وجل بعذاب القبر وبحياة البرزخ.
كما قال عز وجل: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:١٧]، أي: وأمامه عذاب غليظ.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ويل لأهل المعاصي من أهل القبور! تدخل عليهم في قبورهم حيات سود أو دهم، حية عند رأسه وحية عند قدميه، يقرصانه حتى يلتقيا في منتصفه، فذلك قول الله عز وجل: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:١٠٠].
وهذا تهديد من الله عز وجل بعذاب البرزخ.
ويقول الله عز وجل: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور:٤٧]، أي: دون عذاب الآخرة، وكثير من الظالمين يموتون في الدنيا ولا يُعذّبون، وهذه الآية تشير إلى أنهم لا بد أن يعذّبوا عذاباً دون عذاب الآخرة، فلا بد أن هذا العذاب في القبور.
ومن ذلك: قوله عز وجل: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة:٢١].
استدل حبر الأمة البحر ابن عباس بهذه الآية على عذاب القبر، فقال: إن الله عز وجل قال: {مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى} [السجدة:٢١]، ولم: يقل العذاب الأدنى، فدل على أنهم قد يعذبون من العذاب الأدنى في الدنيا وتبقى لهم بقية من العذاب الأدنى يعذبون بها في القبور، {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة:٢١].
ويقول الله عز وجل: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦].
ففرعون وأهله يُعذّبون في النار عباد الله.
وأشارت الآية إلى أنهم يعذبون في الغدو والعشي -أي: طرفي النهار- إشارة إلى أنهم يعذّبون طوال النهار، {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦].
وقال الله عز وجل في سورة الواقعة: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة:٨٣ - ٩٥].
فقد ذكر الله عز وجل في بداية السورة القيامة الكبرى فقال: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:١ - ١١] فقسّم الناس إلى ثلاثة أقسام، وذكر في نهاية السورة القيامة الصغرى، فمن مات فقد قامت قيامته، وقسّم الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة، فدل على أنهم ينقسمون إلى هذه الأقسام الثلاثة بعد الموت وبعد قيامتهم الصغرى، كما أنهم ينقسمون هذه الأقسام كذلك بعد القيامة الكبرى، وقدّم القيامة الكبرى على القيامة الصغرى للعناية بها، فدّلت هذه السورة على