إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
بين يدي القصة: هذه القصة مثل من أمثلة الدعوة إلى الله عز وجل، وقد استفرغ الدعاة إلى الله عز وجل جهدهم في البلاغ والنصيحة والتضحية من أجل هداية قومهم، وكان القوم غاية في الغباوة والكفر والتكذيب، فلم ينفعهم نصح الناصحين ووعظ الواعظين، وإن كانت عاقبة المؤمنين والمكذبين قد تتشابه في النظر القاصر على الدنيا الجاحد للآخرة، إلا أن الله عز وجل الذي أحاط بكل شيء علماً، ويستوي في علمه السر والعلانية والغيب والشهادة؛ بين لنا كيف أن المؤمن ما هي إلا لحظة القتل، والشهيد لا يذوق من مس القتل إلا كما يذوق من مس القرصة.
يعني: كما أن الكافر أو المجرم أو الذي يصد عن سبيل الله قد يقتل أو يموت، فكذلك المؤمن قد يموت في الدعوة أو في الجهاد، ولكن يبقى حساب آخر، وهو حساب الآخرة، وحتى القتل بالنسبة للمؤمن كما صح في الحديث:(أن الشهيد لا يذوق من مس القتل إلا كما يذوق من مس القرصة)، الناس يظنون أن الذي يموت على فراشه وبين زوجته وأولاده يموت مستريحاً، كأنه لا يجد من سكرات الموت إلا الشيء اليسير، والذي يقطع في ساحة الوغى ويقتل في سبيل الله عز وجل هذا تكون سكرات الموت بالنسبة له شديدة؛ أن يقطع بالسيف مثلاً أو يتفجر فيصير قطعاً صغيرة، ولكن في الواقع أن الذي يموت على السرير هو الذي يجد الآلام الشديدة، كما كان علي بن أبي طالب يحرض على القتال، ويقول: قاتلوا، فإنكم إن لم تقتلوا متم على الفرش، فوالذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش.
فليس هناك سبيل للنجاة من سكرات الموت، إلا أن يرزق الإنسان منا الشهادة، نسأل الله تعالى الشهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين.
ثم درجة الشهادة عند الله عز وجل ومنزلة الشهداء عند الله عز وجل كما صح في الحديث:(للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه).
فقصة مؤمن آل ياسين أو قصة أصحاب القرية تحكي لنا قصة الدعوة إلى الله عز وجل، والداعية إلى الله عز وجل ليس عليه هداية المدعوين؛ لأن الله عز وجل يقول لنبيه:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}[البقرة:٢٧٢]، مع أنه سيد المرسلين وخاتمهم.
إذاً: فليس على الداعية هداية الناس، ولكن عليه البلاغ المبين والإخلاص في الدعوة،