قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عمر رضي الله عنهما:(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك، في بعض الروايات: فإنك يا عبد الله! لا تدري ما اسمك غداً.
فقوله صلى الله عليه وسلم:(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، الغريب -كما قال الحسن - لا ينافس في عزها، ولا يجزع من ذلها، له شأن وللناس شأن، فالمؤمن غريب في الدنيا؛ لأن المؤمنين من الجنة وإلى الجنة: كم منزل للمرء يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل يقول ابن القيم رحمه الله: فحيَّ على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم فأهل الإيمان غرباء في الدنيا؛ لأنهم من أهل الجنة وليسوا من أهل الدنيا الذين صارت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم.
قال الحسن بن آدم: إنك على مطيتين راحلتين تحملانك: يحملك الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل حتى يسلمانك إلى الآخرة، فالعبد إما أن يكون غريباً في الدنيا أو يحس أنه عابر سبيل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما لي وللدنيا؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل رجل قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها).
قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، قال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال: أتعلم تفسيرها؟ يعني: أنت لله عبد وإليه راجع، وما دمت راجعاً فأنت موقوف، وما دمت موقوفاً فأنت مسئول، وما دمت مسئولاً فأعد للسؤال جواباً، قال: ما الحيلة؟ قال: يسيرة؛ تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، وإن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي.
أقام معروف الصلاة ثم قال لرجل: صل بنا، قال: أنا إن صليت بكم هذه الصلاة لا أصلي بكم غيرها، قال: وأنت تحدث نفسك أن تصلي صلاة غيرها؟ نعوذ بالله من طول الأمل؛ فإنه يمنع من خير العمل.
اجتمع ثلاثة من العلماء فقال اثنان للثالث: ما أملك؟ قال: ما أتى علي شهر إلا وظننت أني سأموت فيه، فقالا: هذا هو الأمل، ثم قال لأحدهما: ما أملك؟ قال: ما أتى علي أسبوع أو جمعة إلا وظننت أني سأموت فيها، قال: فقال الآخران: هذا هو الأمل، فقالوا للثالث: ما أملك؟ قال: وما أمل من نفسه بيد غيره؟ فإن الموت كما قيل: كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك.
قال بعض الحكماء: كيف يأمن من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره؟ وفي الحديث:(خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً وخط إلى جواره خطاً آخر، ثم خط خطاً آخر أبعد منه، ثم قال للخط الأول: هذا هو الإنسان، وللذي يليه: وهذا هو أجله، وأشار إلى الخط الأبعد فقال: وهذا هو أمله، فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب).