قال تعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}[النمل:١٦]، أي: في الملك والنبوة، وزاده الله عز وجل من فضله، وآتاه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده.
قال تعالى:{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[النمل:١٧]، وكان سليمان نبياً عظيماً من أنبياء بني إسرائيل، وكان يستعرض جنوده من الجن والإنس، تظلهم الطير فهم يوزعون، قيل: إنهم يردون أولهم إلى آخرهم، كما قيل: إن الله عز وجل يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، أي: أن الذي لا يرتدع بالقرآن يرتدع بالسلطان وبأحكام الإمام العادل.
فقوله:(فهم يوزعون) أي: مملكة منظمة، يرد أولهم إلى آخرهم.
قال تعالى:{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[النمل:١٨].
هذه النملة في كلمات قليلة أمرت وحذرت واعتذرت، أمرت إخوانها ومن هم تحت رعايتها بأن (يدخلوا مساكنهم) وقدمت الأمر قبل أن تحذر وتعتذر حتى لا يدهمهم الخطب الذي تخاف عليهم منه، فقالت: ادخلوا مساكنكم، ثم حذرت فقالت:((لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون))، وهذا يدل على أن سليمان وجنوده لا يحطمون نملة فما فوقها وهم يشعرون، فكيف بالملوك الذين يحطمون شعوبهم؟! وكيف بالرؤساء الذين يدمرون أممهم؟! وكيف بسجون البلاد الإسلامية وقد ملئت بالذين رضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيناً ورسولاً؟! فهذا سليمان عليه السلام لا يحطم نملة فما فوقها وهو يشعر، فكيف بالذين يظلمون الناس يا عباد الله؟! وكيف بالذين يعنفون المؤمنين؟! قال تعالى:{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[البروج:٨]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:(عذبت امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض)، امرأة تعذب في هرة -أي: في قطة- حبستها ولم تطعمها، فكيف بالذين يحبسون المؤمنين ويعذبونهم، وليس لهم جريرة ولا ذنب إلا أنهم يقولون: ربي الله، ويريدون أن يقيموا شرع الله عز وجل ويحكموا دينه؟! هذه النملة أمرت وحذرت اعتذرت لسليمان وجنوده بقولها:{وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[النمل:١٨]، فقال تعالى:{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا}[النمل:١٩]، وهذا يدل على أنه سمع مقالتها وأعجب بحكمتها وفهم لغتها، وحمد الله عز وجل أن علمه من كل شيء حتى لغة النمل وأسمعه صوتها، فماذا تصنع التكنولوجيا الحديثة أمام مقدرة الله عز وجل؟ قال سليمان شاكراً نعمة الله عز وجل:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}[النمل:١٩]، فالمؤمن كلما أنعم الله عز وجل عليه بنعمة تحدث بها وشكر الله عز وجل عليها، ومع ذلك يطلب من الله عز وجل مزيداً من النعم والخير والصلاح، وسليمان من هذا الصنف، إذ قال:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}[النمل:١٩].