قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في وصف خاتمة القصة: يوحي سياق القصة بعد ذلك أنهم لم يمهلوه أن قتلوه، وإن كان لا يذكر شيئاً من هذا صراحة، وإنما يسدل الستار على الدنيا وما فيها، وعلى القوم وما هم فيه، ويرفع قدر هذا الشهيد الذي جهر بكلمة الحق متبعاً صوت الفطرة، وقذف بها في وجوه من يملكون التهديد والتنكيل، نراه في العالم الآخر يطلع على ما ادخر الله له من كرامة تليق بمقام المؤمن الشجاع المخلص الشهيد:{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس:٢٦ - ٢٧].
ثم يقول: وتتصل الحياة الدنيا بحياة الآخرة، ونرى الموت نقلة من عالم الفناء إلى عالم البقاء، وخطوة يخلص بها المؤمن من ضيق الأرض إلى سعة الجنة، ومن تطاول الباطل إلى طمأنينة الحق، ومن تهديد البغي إلى سلام النعيم، ومن ظلمات الجاهلية إلى نور اليقين، ونرى الرجل المؤمن وقد اطلع على ما آتاه الله في الجنة من المغفرة والكرامة، يذكر قومه طيب القلب رضي النفس، يتمنى لو يراه قومه فيرون ما آتاه ربه من الكرامة؛ ليعرفوا الحق معرفة اليقين.
هذا كان جزاء الإيمان.
فأما الطغيان فكان أهون على الله من أن يرسل عليهم ملائكة لتدمرهم، {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}[يس:٢٨ - ٢٩].
ولا نطيل هنا في وصف مصرع القوم تهويناً لشأنهم وتحقيراً لقدرهم، فما كانت إلا صيحة واحدة أخمدت أنفاسهم.
وهكذا أيضاً كان سيد قطب رحمه الله، فبعد السجن وبعد الضرب والتعذيب انتقل إلى ربه، ونسأل الله تعالى أن يكون شهيداً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.